٥ - شجاعة وتضحية: قال الله عز وجل: ( وَ أَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: ٢٧].
إن المسلم الذي فارق وطنه و بلاده وقصد البيت الحرام لهو إنسان وطن نفسه على الشجاعة، و برهن على استعداده للتضحية بحياته في سبيل تلبيته نداء مولاه سبحانه، فقد كانت رحلة الحج والعمرة قديمًا محطة بالكثير من المشقة والمخاطرة التي قد تودي بحياة الإنسان، ورغم هذا لم ينقطع المسلمون عن زيارة البيت العتيق، فتعلق قلوبهم بهذه البقعة المباركة و حبهم لطاعة الله وعبادته كانا سببين كافيين لتوكيد خلق الشجاعة والتضحية في نفوس المسلمين، و إن نفوسًا لم تأبه للخطر واستعدت للتضحية في سبيل هدف أسمى لهي نفوس قادرة على ا تخاذ القرارات الصعبة و إقامة الحضارات العريقة إذا ما تهيأت لها الأسباب واتضحت لها الأهداف.
٦ - عبادة العمر: لما كانت هناك عبادة فردية بين العبد وربه (الصوم)، وعبادة جماعية على مستوى محلة السكن (الصلاة)، وأخرى على مستوى البلدة والقرية (الزكاة)، كان (الحج) عبادة جماعية على مستوى العالم أجمع، ولأجل هذا كانت هي العبادة المتممة والمشتملة على معاني العبادات التي تمثل أركان الإسلام، ففيها التلبية بتوحيد الله الذي هو أحد ركني الشهادة، وفيها أخذ المناسك عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يعني الإقرار برسالته، وهو الركن الثاني من الشهادة، وفيها الطواف والدعاء الذي هو روح الصلاة، وفيه بذل المال و إطعام الفقراء الذي هو لب الزكاة، وفيه ضبط النفس و إمساكها عن الرفث والفسوق والجدال بما يمثل جوهر عبادة الصوم، مع ما في تلك العبادة من مشقة السفر و التعرض لمخاطره لأجل تمجيد الله وتوحيده فأشبه الغزو و الجهاد في سبيل الله، وعبادةٌ هذا شأنها لهي عبادة عظيمة جليلة.
و لسماحة الإسلام وتميزه برفع الحرج عن المكلفين لم تُفرض هذه العبادة إلا مرة واحدة في العمر على المستطيعين، فالحج يمثل الأنموذج الكامل للتعبد والتسليم والفناء في طاعة الله والتقرب إليه بكل سبيل؛ لذا كان ثوابه هو الثواب الكامل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". (١)
_____________________
(١) رواه البخاري (١٧٧٣) ، ومسلم (٣٣٥٥).