و إذا كان المسيحيون هم أقرب الناس مودة للمسلمين فإن أشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود ، و مثلهم في ذلك مثل الذين أشركوا ، هكذا يصفهم القرآن و يستفيض في الجدل معهم استفاضة تتناسب هي و تاريخهم الطويل ، و عنادهم الشديد و مكرهم الخبيث.
و لقد كان الصراع قوياً عنيفاً بين الإسلام و اليهود ، كان صراعاً بالمنطق و البرهان ، و كان صراعاً بالسيف و الرمح ، و لا يعنينا هنا التحدث عن السيف و الرمح و إنما نتحدث عن الصراع بالمنطق و البرهان.
ولقد خص القرآن آل عمران من بني إسرائيل بسورة من أكبر سوره: هي سورة آل عمران: سماها باسمهم. و سورة المائدة ، و هي من أكبر سور القرآن أيضاً تكاد تكون مقصورة عليهم. وفي القرآن سورة يوسف و سورة إبراهيم و سورة مريم و سورة الأنبياء و كلها ملأى بالحديث عن بني إسرائيل ، أما سورة الأعراف فإنها تروي قصة موسى مع فرعون ومع السحرة المصريين ، و تتحدث عن إخراج بني إسرائيل من مصر ، و مناجاة موسى لربه و أخذ الألواح ، و تذكر إنحراف بني إسرائيل ، و اتخاذهم العجل معبوداً وغير ذلك من شئونهم.
على أن القرآن لا يقتصر – في الحديث عن بني إسرائيل – على هذه السور التي ذكرناها ، و إنما تخلل الحديث عن بني إسرائيل كثيراً من السور.
من ذلك نرى مبلغ الأهمية التي وجهها القرآن إلى بني إسرائيل لإرشادهم إلى الجادة ، و لقد صور القرآن في أحاديثه هذه أخلاقهم في وضوح ، و كان في ذلك كطبيب يشخص المرض تشخيصاً دقيقاً حتى يسهل العلاج ، و لكن اليهود الذين بلغوا من موسى مبلغاً جعله يقول:
(رب إني لا أملك إلا نفسي و أخي فافرق بيننا و بين القوم الفاسقين) (1)
كانوا عصيين على العلاج ، حتى لقد أيئسوا داود و عيسى – عليهما السلام – فلعناهم:
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكرِ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (2)
و لقد وصل بهم الأمر إلى أن كانوا يقتلون أنبيائهم بغير حق.
بيد أن هذه الناحية الأخلاقية ليست من أهدافنا الأولى في هذا الكتاب و تصفح القرآن خير هاد لمعرفتها ، و الذي يعنينا هنا إنما هو عقيدة اليهود.
و القرآن يذكر أنهم اتخذوا العجل معبوداً و أنهم قالوا : "عزيزٌ ابن الله" و أنكروا رسالة سيدنا محمد و عيسى – عليهما السلام – و قد تحدثنا عن رد القرآن على هذه الأمور فيما سبق.
___________________
(1) سورة المائدة آية: 25.
(2) سورة المائدة آيتا: 78 – 79.