في هذه الفترة من صدر الإسلام – فترة حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان القرآن ، وكان الرسول في أحاديثه يلبيان حاجات الأمة ، اعتقادية كانت ، أو تشريعية ، أو خلقية ، وكانت الأسئلة تترى موجهة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيجيب عنها الوحي القرآني تارة ، وتجيب عنها أحاديث الرسول تارة أخرى ، وأسئلة المجتمع إذ ذاك لم تكن تنتهي إلى حد ، وكانوا يسألون الرسول في كل صغيرة وكبيرة ، فقد سألوه عن الروح ، و سألوه في القدر ، وسألوه عن الأزل ، وسألوه عن المصير وسألوه عن الله ، وعن الإيمان و الإسلام ، والإحسان و الساعة.
وسألوه عن الخمر و الميسر ، والمأكل و المشرب ، والأهلة ، و المحيض ، وسألوه عن كل ما كان يجول في أذهانهم.
وكان القرآن سجلاً يصور الكثير من الأسئلة ويعطي الإجابة عنها ، وها هي ذي آيات متتالية من سورة البقرة توضح هذه الفكرة:
( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (1)
أظن أننا بعد الذي قدمناه لسنا في حاجة إلى الرد على الأستاذ دي بوي في قوله: "جاء القرآن للمسلمين بدين ، ولم يجئهم بنظريات ، وتلقوا فيه أحكاماً ولكنهم لم يتلقوا فيه عقائد"
لقد رأينا بوضوح فيما سبق: أن القرآن جاء للمسلمين بدين ، وبنظريات ، وبأحكام و بعقائد.
ولا شك أن الإمام الرازي كان أصدق رأياً ، إذ يقول معبراً عن الحقيقة: "إن الآيات الواردة في الأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية ، وأما البواقي ففي بيان التوحيد ، والنبوة و الرد على عبدة الأوثان ، وأصناف المشركين".
ويقول: "وأما محمد عليه الصلاة و السلام فاشتغاله بالدلائل على التوحيد و النبوة والمعاد ، أظهر من أن يحتاج فيه إلى التطويل" أ.هـ.
ولم يرفع الرسول – صلى الله عليه و سلم - إلا وقد أكمل الله دينه ، وأتم نعمته على المسلمين: (اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً) (2)
لقد أكمل الله للمسلمين الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً وقد أتمه الله عز وجل فلا ينقصه أبداً ، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً.
______________
(1) سورة البقرة الآيات: 215 – 222.
(2) سورة المائدة آية: 3.