سماه الإمام النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) ، ويعتبر من التفاسير العلمية المحررة ، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل.
وقد تحث الإمام النسفي عن السبب الذي دعاه إلى تأليف هذا التفسير فقال:
(سألني من تتعين إجابته كتاباً وسطاً في التأويلات ، جامعاً لوجوب الإعراب والقراءات ، متضمناً لدقائق علمي البديع والإشارات ، حالياً بأقاويل أهل السنة والجماعة ، خالياً من أباطيل أهل البدع والضلالة ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل).
ثم ذكر أنه تردد في الإجابة ، ولكنه قطع هذا التردد ، وسار في تأليفه بجد حتى أتمة في مدة يسيرة.
والناظر في هذا التفسير يجد فيه فهماً واعياً ، وخبرة دقيقة ، واطلاعاً واسعاً ، وحسن استفادة من هذا الإطلاع ..
وقد استفاد من تفسيري البيضاوي والكشاف أيما استفادة: فأخذ من البيضاوي معناه الدقيق وفهمه الواعي وتوجيهه السديد وإيجازه المركز ، وأخذ من الزمخشري في كشافه خبرته الواسعة باللغة ومناقشته للآراء المتعددة.
على أنه لم يقع فيما وقع فيه الزمخشري في كشافه من التعصب لمذهب الاعتزال وحمل الأيات في تعسف على تأييد أصوله وقواعده ، إنه على العكس من ذلك اتخذ موقفاً مضاداً ، فحارب ما يخالف المذهب الأشعري منتقداً طريقة الزمخشري ، رادَّا على حججه.
ويمتاز تفسير النسفي بإقلاله من الإسرائيليات ، وابتعاده ما استطاع عنها ، كما يمتاز بتحريه في اختيار الأحاديث ، ويظهر ذلك أبلغ ما يظهر في تركه ذكر الأحاديث الموضوعة في فضائل السور.
كما أنه لم يتوسع في الإعراب ، ولم يدخل في تفصيلات فرعية تشتت الذهن ، وتبتعد بالقارئ عن الجو القرآني.
ولم يخل تفسيره من الإشارة إلى المذاهب الفقهية في بعض آيات الأحكام ، والإنتصار لمذهبه الحنفي.
ولا يسلم تفسير النسفي على وجه العموم من النقد:
فلقد اكتفى بإشارات في غاية الإيجاز إلى الآراء المختلفة فيما يتعلق بالآيات التي استدلت بها الفرق ، وكأنه يفترض شهرة هذه الآراء ومعرفة الكل بها ودوام هذه المعرفة ، ويتمثل لنا ذلك في تفسيره لقوله تعالى: (آلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) من سورة الملك آية 14.
ولم يسلم من الإسرائيليات برغم احتياطه وتحفظه ، فتراه عند تفسيره لقوله تعالى من سورة النمل آية: 16 (وورث سليمان داود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين) يقول: روي أنه صاحب فاختة ، فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا . وصاح طاووس فقال .. ثم ذكر أصنافاً من الطير ، وقول كل صنف من هذه الأصناف دون أن يعقب على ذلك ، بل دون أن يحترز من ذكر مثل هذه الأقوال التي لا سند لها من الأحاديث الصحيحة.
ونأخذ عليه : أن أسلوبه يعلو على مستوى العامة ، حيث حشد فيه ألواناً من العلوم المتعلقة بالقرآن لا يفهمها إلا من عنده فكرة سابقة عنها ، وفي آية المائدة يذكر آراء الناس عن الحسن وعن وهب و عن غيرهما دون أن يوجه النظر إلى ما رواه الترمذي بسنده عن عمار بن ياسر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً ..)