من علماء المذهب الحنفي المشهورين ، وممن لهم قدم راسخة في كثير من العلوم ، المفسر حافظ الدين ، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي ، المنسوب إلى نسف ببلاد السند بين جيحود وسمرقند.
كان عالماً بالفقه وأصول الدين وأصول الفقه والتفسير ، وامتازت مؤلفاته بجودة التحري ودقة التعبير وشدة التركيز وحشد المعلومات المتنوعة في حيز بسيط ، حتى ليعسر على غير المتخصصين الأخذ عنها وفهم كب ما يشير إليه.
وقد استفاد من شتى طرق البحث السابق عليه ، فخرج عن استدلالات المتكلمين وجدل الأصوليين واستنباط الفقهاء ، وتميز بطريقته الخاصة في التأليف ، كما استفاد من شيوخه المشاهير ومنهم: شمس الأئمة الكردى ، وأحمج بن محمد العتابى ، وغيرهما من كبار العلماء المتخصصين.
وللإمام النسفي مؤلفات كثيرة اشتهر بها كمفسر وفقيه وباحث في اصول الدين وباحث في أصول الفقه ومنها:
1- عمدة العقائد في الكلام.
2- شرح عمدة العقائد وسماه الاعتماد.
3- منار الأنوار في أصول الفقه.
4- الكافي في شرح الوافي في الفقه الحنفي.
5- كنز الدقائق في الفقه الحنفي.
وكان على نسق غيره من كبار العلماء المسلمين معروفاً بالزهد و الصلاح والتقوى ، فضلاً عن تفرغه للعلم والدراسة والبحوث. وقد اشتهر علمه وفضله في عصره وبعد عصره ، وبارك الله في مؤلفاته ، فأصبحت مرجع الباحثين ، ومجال البحث بين الدارسين ، لما فيها من تدقيق وتحقيق واكتفاء بالإشارة عن التفضيل و بالإيجاز عن الإطناب.
وقدره العلماء حق قدره ، فقد كتب عنه صاحب (الدرر الكامنة) ، فوصفه بهذه الكلمة المدوية: (علاَّمة الدنيا). وكتب عنه الحافظ عبد القادر في طبقاته ، فقال: "أحد الزهاد المتأخرين ، صاحب التصانيف المفيدة في الفقه والأصول ، له المستصفى في شرح المنظومة ، وله شرح النافع سماه بالمنافع ، وله الكافي في شرح الوافي ، وله كنز الدقائق ، وله المنار في أصول الفقه ، وله العمدة في أصول الدين ، تفقه على شمس الأئمة الكردى ، وروى الزيادات عن أحمد بن محمد العتابى".
والنسفي باعتباره من أئمة أهل السنة كان له مواقف في غاية القوة ، وفي غاية العمق ، في الرد على كل انحراف في تفسير القرآن ، وخصوصاً تفسير الكشاف ، ولم يقتصر في الرد على المغتزلة على ما كتبه في تفسير الكشاف ، وإنما فعل ذلك في كل كتيه الكلامية التي كانت مجال اهتمام في رحاب الأزهر ، وقررت على الطلبة في مختلف مراجل التعليم ، وقام الأساتذه باختصارها وبشرحها وبالتعليق عليها مستفيدين منها ومفيدين لغيرهم بها.
وكانت وفاه الإمام النسفي رحمه الله عام واحد وسبعمائة من الهجرة ببلدة إيذج بين خوزستان وأصبهان.
رحمه الله ونفع بعلمه.