ن المتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يقف علي مدي الاهتمام بالاخلاق الاسلامية في اطارها العام المتمثل في الامر بكل بر والنهي عن كل إثم, والبر في أحد معانيه يراد به معاملة الخلق بالاحسان اليهم, قال ابن عمر رضي الله عنهما: "البر شيء هين: وجه طلق, وكلام لين".
إن الاخلاق الاسلامية تسمو علي كل المذاهب والنظريات الاخلاقية التي لاتزال حائرة تنشد المقياس الخلقي الثابت, ولن يكون ذلك إلا في الهدي آلالهي المحكم, فان للأخلاق المنبثقة عن الاسلام سمات تتحقق بها ولاتتحقق في غيرها علي هذا النحو من الكمال, وذلك لانها:( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون)( البقرة138). وتصب تلك الاخلاق في مصلحة الفرد والمجتمع وتعد حجر الزاوية في البناء, كما أنها توحد بين الدنيا الآخرة في نظام ليس فيه صراع ولاتناقض, بل قوامه الثبات والعدالة والرحمة الشاملة.
ولذلك كان من خصائص الاخلاق في الاسلام: أنها تكفل الخير للبشرية كلها في كل زمان ومكان, قال تعالي في سبب بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم ـ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)( الأنبياء107) فبعثته صلي الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعا بما جاء به من الاخلاق لجميع الناس مهما اختلفت الأجناس واللغات.
ومن خصائصها كذلك: أنها سمحة وسهلة ويسيرة, ليس فيها تكليف بما لا يطاق, وليس فيها إرهاق ولا عنت, قال تعالي:( لايكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة:.286
وما تمتاز به الاخلاق في الاسلام الثبات, وذلك لان المشرع الحكيم راعي فيها كفالة الخير الدائم العام, فهي ليست نسبية تتغير من فرد إلي فرد, ومن مجتمع إلي مجتمع, ومن زمان إلي زمان, ولاتمليها المصلحة ولا تسيرها المنفعة, بل هي ثابتة لاتتغير, لانها من عند الله عز وجل, وقد بين الله تعالي جملة الاخلاق الصالحة والآداب الحميدة في القرآن الكريم والسنة النبوية بيانا ليس فيه لبس ولا غموض ليحفظ للمجتمع المسلم تماسكه أفرادا وأسرا وجماعات, وليقيم له وحدثته المتراصة وشخصيته المتميزة التي تجعله خير الأمم.
ومن سمات الاخلاق الاسلامية أيضا: أنها توصف بالعموم فلم تدع جانبا من جوانب الحياة الاسنانية إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك, فما فرقته البشرية في مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة وباسم العرف أو المجتمع مما هو حق قد ضمه القانون الاخلاقي الاسلامي.
لقد نظم ذلك القانون علاقة الانسان بخالقه, وعلاقته بنفسه, وعلاقته ببني جنسه, بل وبكل عناصر الكون, وهذا دليل التكامل والشمول النابعين من وحدة العقيدة بالاخلاق الاسلامية تعبر عن مطالب الانسان الفرد وعن مطالب الجماعة تعبيرا متكاملا ينتهي بغرائزها ومشتهياتها إلي غاياتها المشروعة الصحيحة, فهي لاتكتفي بمجرد وضع المثل الاعلي للسلوك العقلي الذي ينشده الانسان بعقله فقط بل انها تقيم المثل الاعلي للانسان في جميع أنماط سلوكه الوجدانية والغريزية والعقلية, وهي لاتقوم علي العصبية أو التفرقة العنصرية, بل هي عامة للبشرية في أي مكان علي وجه الارض, لانها مشتقة من الفطرة الانسانية الاصلية, كما أنها شاملة للانسان في ذاته قلبا وقالبا فتخلق فيه وحدة ذاتية متكاملة لاتنفصم عراها ولايختل انسجامها وتوازنها, إذ هي مستمدة من عقيدة التوحيد الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان.
يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: "والشريعة الاسلامية لانها قائمة علي الفضيلة ومشتقة من الفطرة الانسانية كانت في نظم الاخلاق عامة لاتخص اقليما دون اقليم وليست للعرب وحدهم, ولكنها للناس جميعا, لان الاساس الخلقي الفاضل الذي قامت عليه يعم العالم كله ولايخص جنسا أو لونا أو أرضا معينة, فهي تحقق الوحدة القانونية كما هي جامعة لمعاني الفضيلة التي تتفق اتفاقا تاما وطبيعة الانسان كما توائم بين الفرد والمجتمع", المجتمع الانساني في ظل الاسلام ص347]
ومن هنا فقد ساعدت الأخلاق الإسلامية علي تكوين شخصية إنسانية سوية موحدة الجوانب هادفة إلي المثل الأعلي للسلوك الواقعي العملي التطبيقي بما يجعل صاحبها يسير في اتجاه صحيح مع بقية أفراد المجتمع, كما تحقق التوازن بين الروح والمادة, وبين العقل والبصيرة, ولكنه توازن بكل ما تحمل الكلمة من معان, وما ذلك إلا لأن الأخلاق الإسلامية تستهدف النفس الإنسانية بكل قواها وفي كل أعماقها, ولأنها تدعو جميع الناس في جميع الطبقات ومن جميع درجات العقل, كما أنها تقوم علي دفع المضار والأذي, ثم علي التعاون والرحمة والإيثار لبناء الأخوة الثابتة والعري الوثيقة للإنسانية كافة, وبهذا يتحقق تماسك الفرد في ذاته, ويستقيم كيان المجتمع في بنائه, وتنتشر القيم العليا في الكون كله.
===============================
بقلم: د. علي جمعة