في ذكرى مولد الرسول: نذكر أن من آداب الإسلام الحرص على ألا تشيع الفاحشة, كل الفواحش: فاحشة القول, فاحشة الفعل, فاحشة النقل, كل ما كان به التأثر وفيه التأثير على المجتمع، كل ما كان مؤذيًا للشعور أو مدارسة للجريمة، أليس هذا هو مقتضى قول الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19]؟!
أليس هذا وعيدًا لأولئك الذين يشيعون وينشرون ما يقع من جرائم خلقية وغيرها بإذاعة تفاصيلها ونشرها على الملأ، وما دورا أنهم يفتتحون بذلك مدارس للجريمة وطرق ارتكابها؟!
في ذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنصح وسائل الإعلام وعلى الأخص الصحف والمجلات التي يتداولها ويتناولها كل الناس من له حصانة وحماية ذاتية ومن ينساق وراء ما يقرأ - أن يكفوا عن نشر الحوادث والجرائم الخلقية والجنائية بتفصيلاتها وإجراءات ارتكابها ووسائلها وأن يستبدلوا بها موضوعات إرشادية للأفراد والمجتمع تنقذ الجميع من التردي في المهالك والإضرار بأنفسهم ومجتمعاتهم فوق عصيانهم لربهم وجحودهم نعمه التي لا تُعَدّ ولا تُحْصَى.
إنها نصيحة يفرضها قول صاحب الذكرى -صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قاَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه البخاري ومسلم عن تميم الداري.
نعم: إن من يقرأ الصحف والمجلات في هذه الأيام الأخيرة, وتتبعها لتفصيلات بعض الحوادث ومتابعتها لها قد يستقر في نفسه أن المجتمع المصري قد انفكت أواصره وانعدم فيه الوفاء والإخلاص, وماتت في أفراده وأسره تعاليم الإسلام وانفلت من كل الآداب والقيم, وذلك أمر يُشِيع اليأس في نفوس المصلحين والمربين, ويشجع على التسيب والانفلات من القيم.
أكرر النصح لوسائل الإعلام أن تُعْنَى بنشر وإذاعة أخبار المصلحين والمجدين والناجحين في أعمالهم من طلاب وتجار وعلماء في كل فروع العلم والعمل لتكون القدوة فيهم حسنة ونافعة للناس جميعًا في الدين والدنيا, وحفزًا لغيرهم على الالتزام بالفضائل.
إن حصائد الأقلام كحصائد الألسنة مؤاخذ عليها من الله ومن الناس، ولا بد وقفة مع النفس نصحح بها مسار حياتنا بكل شجاعة وإقدام, وألا نسيء إلى الحرية بالفهم الخاطئ أو نظن أنها الإثارة, وإنكار الإحسان وطمس القدوة الحسنة في المجتمع.
إن صاحب الذكرى - صلى الله عليه وسلم - قال: «.. وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ وَالْمُتَفَحِّشَ» أحمد والحميدي وابن عساكر وابن حبان والحاكم.
ثم لنسمع قول الله: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: 148]؛ ذلك لأن إظهار الفاحش من القول أو الفعل فاحشة أخرى، ومن أجل هذا قال صاحب الذكرى -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَليْهُ» البخاري ومسلم وغيرهما.
ويبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ضرر إظهار الخطيئة والإعلان عنها في قوله: «الْخَطِيئَة إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلَّا بِصَاحِبِهَا، وَإِنْ ظَهَرَتْ -فَلَمْ تُغَيَّرْ- ضَرَّتِ الْعَامَّةَ» الديلمي عن أبي هريرة.
-----------------------------------------------------------------
فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق