Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: من آيات الإسراء والمعراج الأربعاء يونيو 20, 2012 10:48 am | |
| إن دلالات آيتي الإسراء والمعراج بين آيات صنيع الله تعالى بحبيبه ومصطفاه محمد -صلى الله عليه وسلم- جليلة القدر، عظيمة الشأن، موصولة التوكيد لحقيقة رعاية الله وعنايته بالذين يلتزمون أمره، ويعطون كلماتِه -من اهتمامهم بها، وتقديمهم لها على كل ما سواها من هدايات وتوجيه- ما هي أهلُه.
والإسراء الذى قارب الله فيه بين جوانب الأرض بدءا من المسجد الحرام بمكة وانتهاء بالمسجد الأقصى في الأرض المقدسة من بلاد الشام , وفي الميقات الزماني اليسير الذي تفيده كلمة ((ليلا)) بما يعنيه إفرادها وتنكيرها وتنوينها، فقد اتسع مع كل ذلك للإسراء والمعراج جميعا بقدر ما اتسعت آية صدر سورة الإسراء لكل ما ذكرت من أمر الحدث الكبير والغاية التي أرادها السميع البصير منه في حيز لا يشغل من مصحفك غير سطرين اثنين؛ حيث يقول تعالى : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الإسراء: 1]
هذه الآية نص صريح في إيجاب الإيمان بآية الإسراء التي لو أتت وحدها مجرد خبر عن الله في كتابه أو في كلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- لأوجبت التصديق، كيف وقد بدأ الله ذلك الخبر بلفظ: ((سبحان)) الذي يغلف معاني الكمال والقدرة على إمضاء ما أخبر به وأراده؛ لحِكَم وغايات قدّرها ((السميع البصير)).
وجلّت حكمة الله في سوق الحدث الكبير الذي طوى له أكناف الأرض , وأقدم فيه ملائكته لمصطفاه، وأركبه البراق على ما يلحظ في اسمه من سرعة البرق واتصاف هذه الدابة بما صح في السنة المطهرة من أمرها بأكثر مما أورد ابن كثير في (البداية والنهاية) ص 131 عن ابن إسحق من رواية قتادة – رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد ركوب البراق شمس به (1) فوضع جبريل يده على معرفته (2) ثم قال: (( ألا تستحي يا براق مما تصنع ؟! فو الله ما ركبك عبدٌ لله قبل محمد أكرم عليه منه)) قال : ((فاستحى حتى ارفضَّ عرقًا(3) ثم قرّ حتى ركبته)) ويا عجبا للبراق يندى جبينه ويُسْلِسُ للحق قياده , وكثيرون يمارون في محمد ورسالته , وهما أبين من فلق الصبح , وأنفع للناس والحياة من الغيث الذى ينزله الله من السماء ماءً مباركًا.
ولا تنتهي أعاجيب الإسراء الذي عرضه القرآن مرة واحدة في السورة التي تحمل اسمه ولم يتكرر ذكره -بإيجاز أو تفصيل- إلا بما قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] وهي إشارة تؤكد أن الاسراء كان رؤيا عين , ولم يكن -كما يثرثر بعض الفارغين- شيئا رآه في نومه صلى الله عليه وسلم، قال الإمام القرطبي في تفسيره: ((وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله تعالى: ))وما جعلنا الرؤيا .. الآية، قال : هي رؤيا عين أُرِيَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ليله أُسري به إلى بيت المقدس )) ج1 ص282 ( الجامع لأحكام القرآن) طبعة دار الكتب المصرية.
وكان ابن عطية الأندلسي قد روى عن ابن إسحاق أن الصديق – رضي الله عنه- قيل له صبيحة الإسراء : ((إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة بيت المقدس وانصرف منه , فقال: إن كان قال ذلك فقد صدق , قيل له: أتصدقه قبل أن تسمع منه ؟ فقال: أين عقولكم ؟ أنا أصدقه بخبر السماء , فكيف لا أصدقه بخبر بيت المقدس، والسماء أبعد منه بكثير ؟!))
والحسن – رضي الله عنه – يروي ذلك بعد إيراد قول ابن اسحق: - اقتباس :
- ((كان من الحديث ما بلغني عن مسراه -صلى الله عليه وسلم- عن عبد الله بن مسعود وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان والحسن بن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم , وأم هانىء بنت أبي طالب، اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عن بعض ما ذكر من أمره حين أسري به – صلى الله عليه وسلم -.))
والعلامة الألوسي يقول في (روح المعاني) ج8 ص105طبعة (دار الفكر): - اقتباس :
- ((والمراد بالرؤيا ما عاينه -صلى الله عليه وسلم – ليلة أسري به من العجائب السماوية والأرضية كما أخرجه البخاري والترمذي والنسائي)) حتى قرر –رحمه الله- أنَّ الصحيح في (الرؤيا) أنها كانت يقظة، وقال مبالغة فيما ردته الآية من زعم (المنامية) قالوا: ((إن التعبير بها (أي بالرؤيا على ما فيها من معنى التشريك إن التعبير بها) إما مشاكلة لتسميتهم له رؤيا، أو جارٍ على زعمهم، كتسمية الأصنام آلهة , فقد رُوِي أن بعضهم قال له – صلى الله عليه وسلم – لما قص عليهم الإسراء: لعله شيء رأيته في نومك , أو على التشبيه بالرؤيا؛ لما فيها من العجائب , أو لوقوعها ليلا , أو لسرعتها ... أي: وما جعلنا الرؤيا التى أريناكها عيانا -مع كونها آية عظيمة وأية آية! وقد أقمت البرهان على صحتها- إلا فتنة افتتن الناس بها، حتى ارتد بعض من أسلم منهم)). وذكر هذه الردة القليلة: ابن جرير رحمه الله، وإنها مع ذلك كانت للمخلصين زيادة إيمان بعد أن تهتدي السبيل لكل ما قال المفسرون وذكر القول الرابع الذي رجح بكل ما قيل غير أنها رؤيا اليقظة ليلة الإسراء والمعراج. بتصرف من ج 20ص 228 تفسير الرازي، طبعة دار الفكر.
ورحم الله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي؛ فقد قال في كتابه (أضواء البيان) (ج3ص548): - اقتباس :
- ((والتحقيق في معنى (وما جعلنا الرؤيا..) الآية الكريمة , أن الله تعالى جعل ما أراه نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الغرائب والعجائب ليلة الإسراء والمعراج فتنة للناس؛ لأن عقول بعضهم ضاقت عن قبول ذلك, معتقدة أنه لا يمكن أن يكون حقا, قالوا : كيف يصلي ببيت المقدس ويخترق السبع الطباق ويرى ما رآى في ليلة واحدة ويصبح في محله بمكة ؟ ثم قال رحمه الله: ((وأشار في موضع آخر إلى الرؤيا التي جعلها فتنة للناس، وهي قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 12 - 18] والآيات متممة لآيات 1-11 من صدر سورة النجم؛ إلماحًا وإشارة لآية المعراج التي تصنع وأختها (الإسراء) من أجل الآيات والوقائع التي تشهد بفضل الله ورعايته لمصطفاه صلوات الله عليه , على نحو لم يتح لسواه من رسل الله وأنبيائه الأكرمين، وتقدم للمسلمين هبة الصلاة، وتوجب افتداء بيت المقدس بكل مرتخص وغال ..
وحديث الإسراء والمعراج من القرآن الكريم والسنة المطهرة قد سار في الناس مسير الشمس بعد ورود الإسراء نصا كما عرفت)). وما يستريب في أمر المعراج عاقل , والإشارة إليه في صدر سورة النجم (ويا له من اسم!) وفي الآيات: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } [النجم: 3] {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } [النجم: 17، 18] ما يجعلنا نقول مطمئنين مع الشيخ الشنقيطى جـ3ص357 : - اقتباس :
- ((لقد تواترت الأحاديث الصحيحة عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وأنه عُرِج به من المسجد الأقصى حتى جاوز السموات السبع)).
ولقد أفرد الإمام البخاري لكل من الإسراء والمعراج بابا على حدة، فأَوْهَمَ ذلك أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج , لكن صاحب الفتح حَسَم ذلك الأمر فقال : - اقتباس :
- ((وحسبك به .. ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده – البخاري- بل كلامه فى أول الصلاة ظاهر فى اتحادهما، وذلك أنه تَرْجم: (باب: كيف فرضت الصلاة ليلة الاسراء) والصلاة إنما فرضت في المعراج , فدل على اتحادهما عنده , وإنما أفرد كلاَّ منهما بترجمة لأن كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وإن كانا وقعا معًا )) فتح الباري جـ7 ص196 طبعة السلفية .. ولقد وجدته في ص198 يقول: ((ويؤيد وقوع المعراج عقب الإسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم , ففي أوله (أتيت بالبراق فركبته حتى أتَيْتُ بيت المقدسا) )) فذكر القصة إلى أن قال: ((ثم عُرِج بنا إلى السماء الدنياا .. الحديث)). وأورد ابن حجر أحاديث أخرى صحيحة في السياق، كما أورد شواهد من قال غير ذلك ورد عليه بما فيه مقنع ..
وما أنفس ما ذكر ملخصا عن الشيخ أبى محمد عبد الله بن سعد بن أبى جمرة الأزدي - اقتباس :
- ((الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء: إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده , لأنه لو عُرِج به صلى الله عليه وسلم من مكة إلى السماء , لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح , فلما ذكر النبي أنه أُسْرِي به إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزيئات من بيت المقدس كانوا رأوها , وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك , فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة , وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره , فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن , وزيادة في شقاء الجاحد المعاند)) ص200-201.
وما أكثر الأسرار , وأبهر الأنوار وأعظم دلالات الإسراء والمعراج حين يُلقي المسلمون السمع إلى القرآن والسنة المطهرة , فيزدادون يقينا مما أراد الله بهما لمصطفاه , وما أراد الله من المسلمين أن يعرفوا قدر نبيهم الذي قدره المصطفون الأخيار فاختاروه في ليلة التكريم الإلهي إمامًا يَحُفُّونَه في بيت المقدس , ويرحبون به حيث هم في السموات , وترى الحياةُ منذ هذه الليلة إشارةَ قيادة جديدة ورسالة أطلع الله من أجلها نبيه على أقداس المرسلين .
ومهاجرهم جميعا إلى بيت المقدس , كما رفعه إليه , إلى حيث لم يرتفع ملك ولا رسول , وخلع عليه وحباه فريضة الصلاة التي يبقى بها موصولا وأمته بمولاه بالصلاة ثانية الإسلام ومعراج المؤمن , وحيث يكون أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد . أو كما روى مسلم والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة وغيره .
وواشوقاه لفرصة نأخذ فيها الصلاة من أسرار الإسراء والمعراج , وندعو إليها ولاة أمرنا ومن يلينا من أهل وصحب غير مترخصين في إيجابها والأمر بها والاصطبار على الذين يجهلون أنها على رأس وفي نهاية سُبُل الفلاح في الدنيا ووراثة الفردوس، حيث يقول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [color=blue] (11)} [المؤمنون: 1 - 11]. بقلم الشيخ/ معوض عوض إبراهيم =================== (1) شمس به : نَفَرَ ولم يثبت به. (2) معرفته: برقبته ومنبت العرف فيها. (3) ارفضَّ عرقاً: جرى عرقه وسال ((ابن الأثير جـ22 ص32 من النهاية)) بتصرف. | |
|