مقدمة
ابتلي العالم الإسلامي بفتن كثيرة ، وتعددت مسمياتها ، وأطلقوا عليها : (أصولية - تطرف
- إرهاب ... وغيرها) .
إلا أنها كلها تعبر عن مفهوم واحد هو : الغلو والتفسير الناقص للنصوص ، وإطلاق هذه
التسميات على المؤمنين دون بصيرة وروية ، فاستسهل أقوام قذف المسلمين بالبدعة
والكفر والشرك والجهل في أمور خلافية ليست محلا لأي من هذه الأوصاف ، بل ليست
محلا للتخطئة والتجهيل ، فكيف بالتبديع والتكفير ؟ !! .
إذ إن الكثير من هذه الأمور الخلافية سبقهم إليها أئمة من ذوي الرواية والروية ، ولا ينبغي
أن يعيب مقلد على مقلد ولا مجتهد على مجتهد .
ذلك أن سر خلود الإسلام هو الاختلاف المحمود الذي سيرد تفصيله .
وإن الداء الأكبر الذي استشرى في زماننا ، وأدى إلى ظهور كل هذه التناقضات هو غياب
فريضة الحوار التي أرى أنها أولى الأولويات وأهم المهمات .
فقواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن
كان الحق هو الرائد والمطلوب .
أما إذا كان الخلاف انتصارا لأهواء سياسية وتعصبا أعمى ، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا
ضوابط ، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين ، ولذلك حذرنا المولى عز وجل من
ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله : اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى
[ [القصص : ٥٠
إن البناء الفقهي الإسلامي العظيم لم ينشأ من فراغ ، وإنما نشأ عن مناهج وأسس وضوابط
وموازين علمية دقيقة اتبعها أصحاب المذاهب في الاستنباط والاستخراج .
لذلك فإن غياب هذه الأسس والمناهج في الحوار والاختلاف أوقعنا فيما نحن فيه .
ولا أحسب أن هذه الموضوعات نالت حظا وافرا من الاهتمام والتعليم سواء في المدارس أو
الجامعات ، مما جعل حوار المتعالمين كحوار الطرشان ، ونشأ عن ذلك ما نراه اليوم من
فتن وتيارات مختلفة متنافرة ، فقد يختلفون حيث لا اختلاف ، وقد ينزلقون وهم يعتقدون
وإذا قيل : أنهم مصلحون ، و إنما هم في الواقع يفسدون ، كما قال الله تعالى في أمثالهم
لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا : إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا
[ البقرة : ١١ ] يشعرون
سدد الله القول ، وأصلح النية ، وحقق الآمال ، والحمد لله في البدء والختام ، وصلى الله
على سيد الأنام وعلى آله وصحبه وسلم .
د/عمر عبدالله كامل