1- الاختلاف ضرورة:
================
الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية غير الأساسية ضرورة لابد منها ، بسبب طبيعة الدين ، واللغة ، وطبيعة الكون والحياة .
فأما طبيعة الدين :
============
فقد أراد الله أن يكون في أحكامه المنصوص عليه والمسكوت عنه ، وأن يكون في المنصوص عليه : المحكمات والمتشابهات ، والقطعيات والظنيات ، والصريح والمؤول ، لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط ، فيما يقبل الاجتهاد .
ولو شاء الله لأنزل كتابه كله نصوصا محكمة قطعية الدلالة ، لا تختلف فيها الأفهام ، ولا تتعدد التفسيرات . ولكنه لم يفعل ذلك ، لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة ، وطبيعة الناس وضروريات الزمن .
وأما طبيعة اللغة :
============
فإن نصوص القران والسنة ، جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب ، ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى ، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد .
وأما طبيعة البشر:
============
فقد خلقهم الله مختلفين ، فكل إنسان له شخصيته المستقلة ، وتفكيره المتميز ، وميوله الخاصة ، ومن العبث صب الناس في قالب واحد ، ومحو كل اختلاف بينهم ، فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله عليها الناس .
وأما طبيعة الكون والحياة :
====================
فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه ، خلقه الله سبحانه مختلف الأنواع والصور والألوان ، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع .
وكذلك طبيعة الحياة ، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة ، في المكان والزمان. فالخلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية ،
قال الله عز وجل:(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة). [١١٩ - هود : ١١٨ ]
وفي الأثر : "لا يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا " [انظر : فتح الباري . ١٦/١٣]
2 - الاختلاف رحمة:
=========================
الاختلاف مع كونه ضرورة ، هو كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها . ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة ، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد
الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم :
((ما يسرني أن أصحاب رسول الله(صلى الله عليه و سلم) لم يختلفوا ، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة)). فهم باختلافهم أتاحوا لنا فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم ، كما أنهم سنوا لنا سنة الاختلاف في القضايا الاجتهادية ، وظلوا معها إخوة متحابين .
3 - الاختلاف ثروة :
========================
اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه ، وينمو ويتسع ، لأن كل رأى يستند إلى أدلة واعتبارات شرعية . وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية ، وإن تعدد المذاهب الفقهية وكثرة الأقوال ، كنوز لا يقدر قدرها ، وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث ، فقد يكون بعضها أكثر ملائمة لزمان ومكان من غيره.