Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: التراث الإسلامى – من آليات فهمه : الفلسفة اللغوية-2 الجمعة مايو 07, 2010 8:44 am | |
| حروف المعاني:
وحروف المباني هذه نبني منها الكلمة، لكنها تختلف عن "الكلمة" نفسها في اللغة العربية، والتي نجدها على ثلاثة أنحاء: الاسم، الفعل، الحرف... الحرف هنا ليس هو حرف المباني، إنما هي هنا حروف المعاني التي يؤدي كل واحد منها معنًى معينًا، وهي في اللغة العربية تسعون حرفاً، على خمسة أقسام:
- منها ما هو حرف واحد مثل: الواو، الباء، الكاف، الفاء، اللام...،
- ومنها ما هو حرفان مثل: من، في، عن، لن، إنْ ...،
- ومنها ما هو مكون من ثلاثة حروف مثل: إلى، على، ثمَّ، إنَّ...،
- ومنها المكون من أربعة مثل: لعلّ، كأنَّ...،
- ومنها ما هو من خمسة مثل: لكنَّ (وهي تُنطق: لاكنَّ بألف مدٍّ، لا تكتب، وبشدّة على النون). وليس هناك من حروف المعانى ما هو مكوّن من أكثر من خمسة حروف.
هذه التسعون حرفاً، إما أن لهم عملاً نحويا أو ليس لهم عمل، أي إما أن تؤثر نحويا فيما بعدها أو لا تؤثر، فبعضها يَجرُّ، وبعضها يَنصبِ، وبعضها يَجزم، وبعضها لا عمل له ولا أثر. لكن الأثر شيء والمعنى شيء آخر. فهذه الحروف تَسُتعمل في ستة وخمسين معنى. والمعاني الستة والخمسون منها: الابتداء, والغاية، والانتهاء، والتبعيض، والظرفية، والاستعلام، والاستفهام، والقَسَم، والتحضيض، والتمني، والترجّي، والتأكيد،... وهكذا.
وعندما نرسم جدولاً فيه الـتسعون حرفاً بصورة رأسية تقابلها الـست والخمسون وظيفة بصورة أفقية، نجد أن الحرف الواحد قد يدل على معنى أو اثنين أو حتى قد يدل على نحو خمسة عشر معنى! فمثلا "الباء" تدل على أشياء كثيرة منها: المصاحبة، الملابسة، الابتداء، الظرفية، السببية،... ففي قوله سبحانه - {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ}- الآية 123, سورة آل عمران: تدل هناك على المكان أي الظرفية؛ أي "في بدر". أو في قوله تعالى : {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ}- الآية 160, سورة النساء. فهي هنا بمعنى: "بسبب ظلمٍ من الذين هادوا"، فنقول: دلالتها على السببية. ---------------------------------- ----- - |مِن | إلى |كم| هل| مع الباء الواو إنْ إنَّ أو .... السببية |* | *| -------------------------------------- العطفية |* | *| *| * -------------------------------------- الشرطية |* |*| -------------------------------------- التوكيد |* | -------------------------------------- الاستفهام |* |* | -------------------------------------- .....................................
هذا الجدول البسيط يساعد بقوة للدخول إلى عمق اللغة، ويجعل الإنسان من أقرب طريق يفهم العربية بعمق شديد.
فهمُ فلسفة حروف المعاني هذه ينقل الإنسان إلى أعماق أخرى، وترتقي بتعامله مع التراث الذي كُتب بالعربية –وعلى يد فقهاء لغة مدركين لفلسفتها- إلى آفاق عالية، حتى يجد الإنسان وكأنه قد انفتح على نور بعد الظلام.. لأن الانبهار الشديد بالقرآن –الذي يجب أن يتمتع به المؤمن- يأتي من إدراكه وفقهه لمجموعة من القواعد الأساسية، أولها إدراك فلسفة اللغة وفلسفة الحروف. وقد أدرك ابن هشام هذه المسألة، وأن اللغة العربية يمكن أن يكون لها مدخل من حروف المعاني، فألف كتابًا ماتعًا أسماه "منع اللبيب عن كتب الأعاريب": أي دعك من كتب النحو والإعراب هذه وتعالَ نفهم العربية جيداً بطريق أخرى. وهو كتاب يجعل المدخل لفهم العربية قضية حروف المعاني.
ثم هناك قضية الفارق بين الأثر وبين المعنى في الحرف:
الأثر هو ما يصنعه الحرف بما بعده من حالات الإعراب "الجزم ، النصب، الجر...". فهناك عشرون حرفّا من التسعين تجّر ما بعدها وتسمى حروف الجرّ: هاك حروف الجر وهي: من، إلى، حتى، خلا، حاشا، عدا، في، عن، على من، منذ، ربَّ، اللام، الكاف، واوٌ ، والباء، والكاف، ولعل، ومتى
وهناك حروف أخرى تنصب وتسمى حروفاً ناصبة، كأن تنصب المبتدأ وترفع الخبر على خلاف (كان) وأخواتها، وهي: لإنَّ، أنَّ، ليت، لكنَّ، لعلْ كأنّ ، عكس ما لـ"كان" من عملْ أما كان وأخواتها فترفع المبتدأ وتنصب الخبر: ترفع كان مبتدًا اسمًا، والخبر تنصبه، كــــ" كان سيدًا عمر"
هذه الحروف أيضاً مقسمة إلى أقسام: منها ما يدخل على الفعل ومنها ما يدخل على الاسم ومنها ما يدخل على كل منهما، ومنها ما له أثر ومنها ما ليس له أثر، ومنها ما له معنى واحد ومنها ما له أكثر من معنى أو وظيفة.فـ"هل": لا أثر لها، ومعناها أو وظيفتها الاستفهام، وتدخل على الفعل والاسم، و"في": من حروف الجر باعتبار الأثر، ومن حروف الظرفية باعتبار المعنى، ولا تدخل إلا على الاسم، و"لم": من حروف الجزم باعتبار الأثر، وهي تنفي باعتبار المعنى، وتدخل على الفعل فقط.
ولكل حرف استعمالاته الممكنة ولا يمكن استعماله في غيرها، فلا يصح أن نأتي بحرف مثل (الكاف) للاستفهام؛ لأن الكاف لا تستعمل للاستفهام، ولا يمكن أن نستعمل الحرف (في) للسببية؟
في هذا الجدول اللطيف الذي نــتخيله نجد أمراً آخر: إن الحرف قد يستعمل في معانٍ قد تبلغ الـخمسة عشر معنى كما قلنا، فكيف ذلك؟ قالوا: إن معنىً معينًا منها هو على سبيل الحقيقة، والمعاني الأخرى على سبيل المجاز. فالحرف يستعمل في معنى معين بشكل مكثف أو أكثر تداولاً، ثم بصورة أقل قد يستعمل في معانٍ أخرى. فالباء –مثلاً- هي في الأصل للسببية، أما عبارة (ببدر) التي جاءت فيها للظرفية فهي قليلة؛ ولذلك ليس هناك سوى هذا المثال.
فهل يمكن أن يستعمل اللفظ أو الحرف في معنيين مختلفْين حقيقةً؟ نعم، وهذا ما يُسمى بالمشترك، حيث يكون معنياه على الحقيقة وليس فيه مجاز. وسوف نتعرض له لاحقًا. | |
|