أول أحوال اللفظ "الاشتقاق":
عندما جمعنا الكلام العربي وجدناه غالباً ما يتكون من ثلاثة حروف. بالطبع وجدنا بعضاً من الكلمات التي تتكون من حرفين ومن حرف مثل الحروف (و، أو)، لكن الكلمة في الأغلب أصلها ثلاثة حروف. ووجدنا عندنا ثمانية وعشرون حرفاً نريد أن نكوّن منها كلمات من ثلاثيات؛ (أي كل كلمة ثلاثة حروف)، فإنه بالتباديل والتوافيق يظهر لدينا نحو خمسمائة مليون احتمال لكلمات, هذا في إمكانية أن أكّون ثلاثيات. لكن ما ورد إلينا من لسان العرب لا يزيد عن ثمانين ألف جذر لغوي، والباقي مهمل.. فالذي استعمله العرب من المتاح أقل بكثير جداً من الذي أهملوه، كأن المستعمل نحو اثنين في الألف (0.2%) من المتاح.
هذه الثمانون ألف جذر تكون ما يقرب من مليوني كلمة إلا قليلاً. فالجذر هو الثلاثي (أَكَلَ) والكلمة هي الجذر ومشتقاته: (آكل، آكل، مأكول، أكلة، مأكلة...الخ).
وعندما نقارن العربية باللغة الإنجليزية -باكسفورد مثلاً- نجد أن الكلمات التي تقابل ما عندنا نحو (860) ألف كلمة غير الذي دخل في الإنجليزية من الجرمانية والعربية واللاتينية وغيرها، هذا في اكسفورد الكبير (الذي يبلغ نحو خمسة وعشرين مجلداً). الكلمات في وبستر لا تزيد عن مائة ألف كلمة ( كلمة لا جذر)،و الكلمات في (مايكل ويست) نحو أربعة وعشرين ألفًا. أما في اللغة العربية فلدينا: ثمانون ألف جذر في لسان العرب لابن منظور، وهو أكبر موسوعة موجودة في هذا الباب. منها ثلاثون ألف جذر، في المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية في مصر. وأربعون ألفاً في القاموس المحيط للفيروزآبادي.
كم جذر من هذه الجذور يشتمل عليها القرآن الكريم؟ يحوي القرآن (1840) جذرًا؛ أي أقل من2.5 ٪ من الجذور المستعملة في اللغة. وهذا ينبئ أن الأمر سهل شيئاً ما، لأنني لو أتيت بهذه الجذور الــ(1840) وتعاملت معها بهذا العمق، فسوف أتمكن من فهم القرآن بعمق أكثر، وأتمكن –مع بعض قواعد المستويات المختلفة للفهم- أي أن أفهم فهماً آخر.
ومن ناحية أخرى، فإنه بعد الجذر تأتي الفروع، والفروع تسمى المشتقات، والتفريع يسمى الاشتقاق، وهذا الاشتقاق يتم على قواعد وأوزان فيما يسمى بالصرف أو التصريف. وهذه الأوزان لها معانٍ ودلالات عامة في كل الكلام. فالوزن يمكن أن يستعمل لقضية أو معانٍ معينة مثل: ما كان على وزن "فعْلَلَة" له علاقة بالصوت: صلصلة، سَلْسلة، بلَبلة، جلجلة...الخ، وما كان على وزن "تفاعَلَ" يعبر عن علاقة بين طرفين، مثل: تبايع، تشاجَر، تقاتَلَ...الخ.