Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: كتاب الصيام-أحكام عيد الفطر-1 الأربعاء سبتمبر 08, 2010 2:15 pm | |
| الأعياد ُسنَّةٌ فِطْرِيَّة جُبِلَ الناس على اتخاذها، فكانوا منذ القدم يخِّصُصون أيامًا للاحتفال و لاجتماع و إظهار الفرح لإحياء ذكرى مُناَسباتٍ حصلت في مثل تلك الأيام، كأيام النصر و أيام الميلاد، وكان لِكُلِّ أمة أيامٌ معلومةٌ تُظهِر فيها زينتَها وتعلن سرورها وتُسرِّي عن نفسها ما يُصيبها من رَهَق الحياة وعَنَتِها، وعلى هذه الُّسنَّة وَجَد النبيُّ صلى الله عليه وآله و سلم الأنصارَ في المدينة بعد هجرته إليها يلعبون في يومين، وَرِثُوا اتِّخاذَهُما عِيدًا عن الجاهليَّة، فلم يُنكِرْ أْصلَ الفكرة، و أباح اتخاذ العيد تحصيلا لمزاياه القومية و لاجتماعية والدينية، ولكنه استبدل بيومي الجاهلية يومين آخرين مرتبطين بشعيرتين من أعظم شعائر الإ سلام، وهما يوما الفطر والأ ضحى.
فقد جعل الله يوم الفطر عيدًا للمسلمين، فيه يتبادلون التهاني والتزاور، وفيه يتعاطفون ويتراحمون، وفيه يتجمَّلون ويتزيَّنون، وفيه يتمتَّعون بطيِّبات ما رزق الله، وفيه يُوَثِّقون بينهم عرى المحبة والإخاء، وحتى يَتِمَّ كُلُّ هذا با سم الله وفي ظِلِّ رحمته جعل افتتاح هذا اليوم السعيد اجتماعًا عامًّا للمسلمين يؤدون فيه جميعًا على اختلاف طبقاتهم وفي صعيدٍ واحد صلاةَ العِيد، يُكَبرون فيها ويُهَلِّلُون ويشكرون الله على ما هداهم، ويعطِفون على إخوانهم الفقراء والمساكين و أرباب الحاجات؛ ليستغنوا عن السؤال في هذا اليوم، ويُلقوا عِبْءَ الحياة خلف ظهورهم قليلا بمشاركتهم إخوانَهم في الصلاة ومبادلتِهم التَّحيةَ و المحبة، والتَّهنِئةَ و المودَّة، فيكون المسلم قد جَمَعَ في هذا اليوم بين اتصاله بربه عن طريق العبادة، و الاتصال بالناس عن طريق التعاون التراحم والإخاء.
ولِيوم الفطر إيحاءاتٌ بنعم الله عز وجل منها: أنه أول يوم بعد رمضان حيث تعود فيه إلى المؤمن حريته الشخصية في مأكله ومشربه، بعد أن كان قد سلَّمَها إلى مولاه عزَّ وجلَّ خلال رمضان طائعًا مختارا، إيذانًا بأنه لا يضحي بها إلا في سبيل ما هو أعز منها وهو رضوان الله ومغفرته، أما فيما عدا ذلك فدون َسلِّها خَرْطُ القَتَادِ، ومنها أن المسلم يشعر فيه بفرحتين عظيمتين لهما أكبر الأثر في حياته وقوته: فرحة القيام بالواجب، واجبِ الطاعة الامتثال لأمر الله، وفرحة الثقة بحسن الجزاء من الله، وهو ما يشير إليه الرسول صلى الله عليه وآله و سلم بقوله: «لِلَّصائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» (147). ====================== إحياء ليلة العيد: ====================== يسن إحياء ليلة العيد بالعبادة من ذكر أو صلاة أو غير ذلك من العبادات، لا سيما صلاة التسابيح لفضلها (148)؛ لحديث: «مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ للَّهِ محتسبا لم يمت قَلْبُهُ يَوْمَ تموَتُ الْقُلُوبُ» (149), والمراد بموت القلوب شغفها بحب الدنيا, وقيل الكفر, وقيل الفزع يوم القيامة, ويحصل الإحياء بمعظم الليل كالمبيت بمنى, وقيل بساعة منه, وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة, والدعاء فيهما. =================== تكبير العيد: =================== التكبير في العيدين ُسنَّة عند جمهور الفقهاء، قال الله تعالى بعد آيات الصيام: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبروا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185 ]، وحُمِل التكبير في الآية على تكبير عيد الفطر، وقال سبحانه في آيات الحج: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ َأيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203 ]، وقال أيًضا: {لِيَْشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اْسمَ اللَّهِ َأيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الَْأنْعَامِ} [الحج: 28 ]، وقال تعالى: {كذَلَكِ َسخَّرَهَا لَكُمْ لِتكبروا اللَّهَ علَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37 ]، وحُمِل الذكر والتكبير في الآيات السابقة على ما يكون في عيد الأضحى.
وقال ابن حزمٍ: "والتكبير ليلة عيد الفطر فرضٌ، وهو في ليلة عيد الأ ضحى حسنٌ، قال تعالى: {وَلِتُكَبروا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَْشكُرُونَ}، فبإكمال عدة صوم رمضان وجب التكبير، ويجزئ من ذلك تكبيرة"( 150 ).
والتَّكبير هو التَّعظيم، و المراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم، و إثبات الأعظمية لله في كلمة (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالإلهية؛ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه، والناقص غير مستحق الإلهية؛ لأن حقيقة الإلهية لاتلاقي شيئا من النقص، ولذلك شرع التكبير في الصلاة لإبطال السجود لغير الله، و شرع التكبير عند نحر البُدْن في الحج لإبطال ما كانوا يتقربون به إلى أصنامهم، وكذلك شرع التكبير عند انتهاء الصيام؛ إشارة إلى أن الله يعبد بالصوم و أنه متنزه عن ضراوة الأصنام( 151 ) بالآية السابقة، ومن أجل ذلك مضت السنة بأن يكبر المسلمون عند الخروج إلى صلاة العيد ويك الإمام في خطبة العيد.
ويُندب التكبير بغروب الشمس ليلتي العيد في المنازل والطرق و المساجد والأسواق برفع الصوت للرجل؛ إظهارا لشعار العيد, والأظهر إدامته حتى يحرم الإمام بصلاة العيد، أما من لم يصلِّ مع الإمام فيكبر حتى يفرغ الإمام من صلاة العيد ومن الخطبتين( 152 ).
ولم يرد في صيغة التكبير شيء بخصو صه في السنة المطهرة، ولكن درج بعض الصحابة منهم سلمان الفارسي على التكبير بصيغة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد" والأمر فيه على الَّسعة؛ لأن النص الوارد في ذلك مطلق، وهو قوله تعالى: {وَلِتُكَبروا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185 ]، والمطْلَق يُْؤخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده في الَّشرع، ودرج المصريُّون من قديم الزمان على الصيغة المشهورة وهي: - اقتباس :
- "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، و سبحان الله بكرة و أصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، و أعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاهُ، مخلِصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد و سلم ت سليمًا كثيرًا"
، وهي صيغة شرعية صحيحة قال عنها الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "و إن كَبر على ما يكبر عليه الناس اليوم فحسن، و إن زاد تكبيرًا فحسن، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببتُه"( 153 ).
وزيادة الصلاة والسلام على سيدنا محمد و آله و أصحابه و أنصاره و أزواجه وذريته في ختام التكبير أمر مشروع؛ فإنَّ أفضل الذكر ما اجتمع فيه ذكر الله ور سوله صلى الله عليه وآله و سلم، كما أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله و سلم تَفْتَحُ للعمل بَابَ القَبُول فإنها مَقْبُولَةٌ َأبَدًا حتى من المنافق، كما نص على ذلك أهل العلم؛ لأنها مُتَعَلِّقَةٌ بالجناب الأجلِّ صلى الله عليه وآله و سلم. ============================================== (147) أخرجه البخاري ( 2/ 673 )، ومسلم ( 2/ 806 ). ( 148) ينظر: (قليوبي وعميرة 1/ 359 )، والحديث الوارد في فضلها هو ما رواه أبو رافع، ينظر الحديث في سنن الترمذي في باب ما جاء في صلاة التسابيح. ( 149 ) أخرجه ابن ماجه في سننه ( 1/ 567 )، والطبراني في المعجم الأو سط ( 1/ 57 )، والبيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 319 ). ( 150 ) المحلى، ابن حزم، ( 5/ 89 ). ( 151 ) انظر: التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور ( 2/ 176 )، والضراوة: هي العادة، و المعنى أن الله منزه عن التعبد له بمثل ما اعتاده المشركون في التعبد لأصنامهم من التزلف بالأكل والتلطيخ بالدماء. ( 152 ) ينظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج ( 1/ 593 ). ( 153 ) ينظر: الأم للإمام الشافعي. | |
|