ما يسن فعله قبل صلاة العيد:
================
ويستحب الغسل والطيب للعيدين، من خرج للصلاة ومن لم يخرج لها, ويستحب لبس الحسن من الثياب للقاعد والخارج، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-:
«كَانَ رَُسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَغْتَِسلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الَأْضحَى» (154)، ولما رُوِيَ عَنِ اْلحسنِ بن عَلِيٍّ -رَِضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما- قَالَ:َ« أمَرَنَا رَُسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلمَأنْ نَلْبَسََ أجْوَدَ مَا نَجِدُ، وََأنْ نَتَطَيَّبَ بَِأجْوَدِ مَا نَجِدُ» (155).
ويستحب أن يتزين الرجل ويتنظف ويحلق شعره، ويستحب أن يَْستَاك, ويَطْعَم شيئا؛ لما روي عن أنسٍ -رضي الله عنه- أنه قال: «كَانَ رَُسولُ اللَّهِ َصلَّى اللَّهُ علَيَهْ وَآلِهِ وََسلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَْأكُلَ تمراتٍ »، وفي رواية: «وَيَْأكُلُهُنَّ وِتْرًا» (156)؛ ولكون اليوم يوم فطر بعد أيام الصيام، ويخرج فطرته -زكاة الفطر- قبل أن يخرج؛ لما روي عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مِنَ الُّسنَّةَِ أنْ لا تَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى تُخْرِجَ الَّصدَقَةَ، وَتَطْعَمََ شيْئًا قَبْلََأنْ تَخْرُجَ"( 157 )؛ ولأنه مسارعة إلى أداء الواجب فكان مندوبًا إليه.
=================
صلاة العيد:
=================
صلاة العيدُ سنَّةٌ مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر الرجال والنساء –حتى الحُيَّض منهن-أن يخرجوا لها.
ووقتُ صلاة العيد عند الشافعية ما بين طلوع الشمس وزوالها، ودليلهم على أن وقتها يبدأ بطلوع الشمس أنهاصلاةٌ ذات سبب فلا تُراعَى فيها الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة (158) أما عند الجمهور فوقتها يَبتدِئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح بحسب ر ؤية العين المجردة -وهو الوقت الذي تحلُّ فيه النافلة- ويمتدُّ وقتُهاإلى ابتداء الزوال( 159 ).
والأفضل في مكان أدائها محلُّ خلافٍ بين العلماء: منهم مَنْ فََّضل الخلاء واْلَُمصلَّى خارج المسجد؛ استنانًا بظاهر فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من رأى المسجد أفضل إذا اتََّسع للمَُصلِّين –وهم الشافعية-، وقالوا إن المسجد أفضل لشرفه، وردوا على دليل مَنْ فََّضل المصلَّى بأن علة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه عدمُ سعَةِ مسجده الشريف لأعداد المصلين الذين يأتون لصلاة العيد، وعليه فإذا اتََّسع المسجد لأعداد المصلين زالت العِلَّة وعادت الأفضلية للمسجد على الأصل؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا.
وصلاة العيد ركعتان تجزئ إقامتهما كصفةسائر الصلوات وسننها وهيئاتها -كغيرها من الصلوات-, وينوي بها صلاة العيد, هذا أقلها، و أما الأكمل في صفتها:
فأن يكبر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع, وفي الثانية خمًس اسوى تكبيرةِ القيام والركوع، والتكبيراتُ قبل القراءة؛ لما رويَ« أنَّ رَُسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَ الْعِيدَيْنِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الَأْضحَىَ سبْعًا وَخَمًْسا، الُأولَىَ سبْعًا، وَ الآخِرَةِ خَمًْسا،ِ سوَى تَكْبِيرَةِ الَّصلاةِ » (160)، ولما روى كثير بن عبد الله عنأبيه عن جده:َ« أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَالْعِيدَيْنِ الُأولَىَ سبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَ الآخِرَةِ خَمًْسا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ » (161).
والُّسنَّةُ أن تُصلى جماعة؛ وهي الصفة التي نَقَلها الخَلَفُ عن السلف، فإن حضر وقد سبقه الإمام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض؛ لأنه ذِكْرٌ مسنون فات محلُّه, فلم يقضه كدعاء لااستفتاح، والُّسنَّةُأن يرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لما روي "َأنَّ عُمَرَ بْنَ الخطابِ -رَِضيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ الْعِيدَيْنِ"( 162 )، ويُْستَحَبُّأن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالى؛ لما رُوِيَأن ابْنَ مَْسعُودٍ وََأبَا مُوَسى وَحُذَيْفَةَ خَرَجَِ إلَيْهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ قَبْلَ الْعِيدِ فَقَالَ لَهُمْ:ِإنَّ هَذَا الْعِيدَ قَدْ دَنَا فَكَيْفَ التَّكْبِيرُ فِيهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: تَبْدَُأ فَتُكَبر تَكْبِيرَةً تَفْتَتِحُ بِهَا الَّصلاةَ وَتَْحمَدُ رَبَّكَ وَتَُصلِّي عَلَى النَّبِيَِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وََسلَّمَ، ثُمَّ تَدْعُو وَتُكَبر وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَبر وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُكَ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ... الحديث( 163 )،
وفي رواية أخرى:
فقال الأشعري وحذيفة -رضي الله عنهما-: "َصدَقََ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ"( 164 ).
قال الإمام النووي: "قال الشافعي وأصحابنا: يُستَحَبُّأن يقف بين كل تكبيرتين من الزوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة؛ يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده ويمجده، هذا لفظ الشافعي في "الأم" و"مختصر المزني" لكن ليس في "الأم" ويمجده، قال جمهور الأصحاب: يقول:سبحان الله، والحمد لله، ولاإلهإلا الله، واللهأكبر، ولو زاد عليه جاز"( 165 ).
والُّسنَّةُ أن يقرأ بعد الفاتحة ب "الأعلى" في الأولى و"الغاشية" في الثانية،أو ب"ق" في الأولى و"اقتربت" في الثانية؛ كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( 166 )، والُّسنَّةُ أن يجهر فيهما بالقراءة لنقل الخلف عن السلف( 167 ).
والُّسنَّةُ إذا فرغ من الصلاةأن يخطب على المنبر خطبتين، يَفِْصل بينهما بجَلْسة، و المستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبعٍ، ويذكرَ اللهَ تعالى فيهما، ويذكرَ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويوصي الناس بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن, ويعلِّمهم صدقة الفطر, ويُْستَحَبُّ للناس استماعُ الخطبة؛ لما روي عنأبي مسعود رضي الله عنه أنه قال يوم عيد: "أول ما يبدأ به أو يقضى في عهدنا هذه الصلاة ثم الخطبة ثم لا يبرح أحد حتى يخطب"( 168 )، فإن دخل رجل والإمام يخطب, فإن كان في المصلَّى -لا المسجد، وهو المخصص لصلاة العيد فقط دون بقية الصلوات-
استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيد؛ لأن الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها، والصلاة لا يخشى فواتها فكان لااشتغال بالخطبة أولى، وإن كان في المسجد ففيه وجهان:أن يصلي تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد؛ لأن الإمام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء، والوجه الآخر:أن يصلي العيد، وهو أولى؛ لأنهاأهم من تحية المسجد وآكد, وإذا صلاها سقط بها التحية فكان الاشتغال بها أولى كما لو حضر وعليه مكتوبة( 169 ).
ويشرع قضاء صلاة العيد لمن فاتته متى شاء في باقي اليوم أو في الغد وما بعده أو متى اتفق كسائر الرواتب, وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير. وإلى ذلك ذهب الإمامان: مالك والشافعي -رضي الله عنهما-؛ لما رُوِيَ عن أنسٍ -رضي الله عنه-,أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه, ثم قام عبد الله بنأبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين, يُكَبر فيهما؛ ولأنه قضاء صلاةٍ, فكان على صفتها, كسائر الصلوات, وهو مخيرإن شاء صلاها وحدَهُ, وإن شاء في جماعة، وإن شاء مضى إلى اْلمصلَّى, وإن شاء حيثُ شاء.
ويجوزُ لمن فاتَتْهُ صلاةُ العيد أن يصلِّيَ أربعَ ركعاتٍ, كصلاة التطوع, وإن أحب فصل بسلامٍ بَكُلِّ ركعتين؛ وذلك لما رُوِي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ فَلْيَُصلَِّ أرْبَعًا"( 170 )، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بن أبي طالِبٍ -رضي الله عنه-أنه "َأمَرَ رَجُلاَأنْ يَُصلِّيَ بَِضعَفَةِ النَّاسِ اْلمسجِدِ يَوْمَ فِطْرٍأوْ يَوْمََأْضحى، وََأمَرَهُ َأنْ يَُصلِّيََ أرْبَعًا"( 171 )؛ ولأنه قضاء صلاةِ عيد, فكان أربعًا كصلاة الجمعة, وإن شاء أن يصلي ركعتين كصلاة التطوع فلا بأس؛ لأن ذلك تطوُّع.
وإن أدرك الإمام في التشهد جلس معه, فإذاَ سلَّم الإمام قام فصلَّى ركعتين, يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مُبدلَةً من أربع, فقضاها على صفتها كسائر الصلوات( 172 ).
======================
ومن السنن المستحبة في العيد:
======================
تَُسنُّ التَّوِْسعةُ في العيد على الأهل بأيِّ شيءٍ كانَ من المأكول؛إذْ لم يَرِد الشرعُ فيه بشيءٍ معلوم، فمن وَّسع على أهله فيه فقد امتثل الُّسنَّة, ويجوزأن يُتَّخَذَ فيه طعامٌ معلوم؛إذ هو من المباح، لكن بشرط عدم التكلف فيه، وبشرطأن لا يُجعَل ذلكُ سنَّةً يُستَنُّ بها فيُعَدُّ مَنْ خالف ذلك كأنه مُرتكبٌ لكبيرة, وإذا وصل الأمرإلى هذا الحدِّ ففِعْلُ ذلك بدعة؛ إذ إنه بسبب ذلك ينَسبُ إلى الُّسنة ما ليس منها( 173 ).
وإظهار السرور في العيدين مندوب, فذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده؛ إذ في إبدال عيد الجاهليَّة بالعيدين المذكورين دلالةٌ على أنه يُفعَل في العيدين المشروعين ما تفعلُه الجاهليَّة في أعيادها مِمَّا ليس بمحظورٍ ولاشاغلٍ عن طاعة, وإنما خالفهم في تعيين الوقتين، وأما التوسعة على العيال في الأعياد بما حصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس من كلف العبادة فهو مشروع ( 174 ).
===================================================
(154 ) أخرجه ابن ماجه في سننه ( 1/ 417 )، والبيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 278 ).
(155) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 3/ 90 )، والحاكم في المستدرك ( 4/ 256 ).
(156) أخرجه البخاري ( 1/ 325 ).
(157) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 11 / 141 ).
(158 ) ينظر: نهاية المحتاج، للرملي ( 2/ 276 )، ط مصطفى الحلبي 1357 ه.
(159 ) ينظر: رد المحتار على الدر المختار ( 1/ 558 )، طإحياء التراث، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير( 1/ 396 )، ط دار
الفكر، وكشاف القناع ( 2/ 50 ).
(160 ) أخرجه الدارقطني في سننه ( 2/ 48 )، والبيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 285 ).
(161) أخرجه الترمذي في سننه ( 2/ 416 )، وابن ماجه في سننه ( 1/ 407 ).
(162) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 293 ).
(163) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 291 ).
( 164 ) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ( 4/ 348 )، ط 1 دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1399 ه.
( 165 ) المجموع شرح المهذب، الإمام النووي (5/ 17 )، ط دار الفكر.
(166) أخرجهما مسلم ( 3/ 15 ، 21 ).
( 167 ) ينظر: المجموع شرح المهذب ( 20 ، 21 ).
(168 ) أخرجه ابن المنذر في الأوسط ( 4/ 272 رقم 2148 )، ط 1 دار طيبة، الرياض،سنة 1412 ه.
( 169 ) ينظر: المجموع شرح المهذب ( 5/ 27 ).
(170) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 9/ 306 ).
(171) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 3/ 310 ).
( 172 ) ينظر: المغني لابن قدامة ( 2/ 124 ، 125 ).
( 173 ) ينظر: المدخل، لابن الحاج ( 1/ 287 )، دار التراث.
( 174) ينظر:سبل السلام ( 1/ 436 )، ط دار الحديث.