فمن هذه الأسباب العشرة: وصل المحبون إلى منازل المحبة.
والكلام في هذه المنزلة معلق بطرفين : طرف محبة العبد لربه، وطرف محبة الرب لعبده .
والذي أجمع عليه العارفون : أنه يحبهم، وأنهم يحبونه، على إثبات الطرفين، وأن محبة العبد
لربه فوق كل محبة تقدر . ولا نسبة لسائر المحاب إليها . وهي حقيقة "لا إله إلا الله "وكذلك
عندهم محبة الرب لأوليائه ورسله : صفة زائدة على رحمته، وإحسانه وعطائه . فإن ذلك أثر
المحبة وموجبها. فإنه لما أحبهم كان نصيبهم من رحمته وإحسانه وبره أتم نصيب.
وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاث من ُ كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه ما. وأن
يحب المرء لا يحبه إلا لله . وأن يكره أن يعود في الكفر - بعد إذ أنقذه الله منه - كما يكره أن
يلقى في النار". ( 1)
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"يقول الله تعالى : من عادي لي وليًا فقد آذنته بالحرب . وما تقرب إلي عبدي بشيء
أحب إلي من أداء ما افترضته عليه . ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه . فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله
التي يمشي بها . ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه " وفي الصحيحين عنه أي ضًا
عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أحب الله العبد دعا جبريل، فقال : إني أحب فلانًا فأحبه .
فيحبه جبريل . ثم ينادي في السماء، إن الله يحب فلانًا فأحبوه . فيحبه أهل السماء . ثم يوضع
له القبول في الأرض".
وفي جامع الترمذي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال:
"كان من دعاء داود صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أسألك حبك وحب من
يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك . اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي . ومن الماء
البارد"
وفيه أيضًا من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقول في دعائه:
"اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك . اللهم ما رزقتني مما أحب
فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا فيما تحب".
=============================================
(١) أخرجه البخاري في باب حلاوة الإيمان ( ١٦ ):1/14