آيات القرآن الكريم والسنن المحمدية الصحيحة ناطقة بأن الحج ركن من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام، وبأن كل مسلم ومسلمة عليه أن يحج البيت الحرام مرة في عمره متى استطاع إلى ذلك سبيلا، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا».
وقد دل القرآن على إيجاب الحج، وعلى أنه في أشهر معلومات، وأجمل بعض أحكامه، وأما تفصيل أحكامه، وكيفية أداء مناسكه، وما يشترط لصحته فقد هدى إليها رسول الله بأقواله وأفعاله في حجة الوداع التي حجها مع المسلمين في السنة العاشرة للهجرة، وقال للمسلمين: «خذوا عني مناسككم». وقد رأيت الحجاج يُعْنَوْنَ أتم العناية بالوقوف على أحكام الحج وكيفية أداء مناسكه، ويتساءلون عما يحظر على الحارم وعما يباح له، وعن عدد الحصيات التي ترمى بها الجمرات ومقاديرها، ووقت رميها، وعن أشواط الطواف بالكعبة، وأشوط السعي بين الصفا والمروة، وغير ذلك من الأحكام التي يريدون الوقوف عليها؛ ليؤدوا فريضة الحج على أكمل وجوه أدائه.
أما حكمة فرض الحج، وما قصده الشارع بهذا التكليف من مصالح، وما الذي يجنيه المسلمون كل عام من احتمال هذه المشقات البدنية والمالية، فهذه موضوعات لا يكثر التساؤل عنها، ولا تلقى من الحجاج العناية التي تلقاها أحكام المناسك، مع أن الشارع الحكيم ما قصد بفرض الحج -ولا بأي فرض فرضه- مجرد هيكله الظاهري وصورته المادية، وإنما قصد الهيكل والروح والصورة والمعنى، وأراد بالعبادات والفرائض أن تكون وسائل لمقاصد ومصالح، والواجب على المسلمين أن يقوموا بالوسائل، وأن يحققوا المقاصد.
وأنا أبيِّن إن شاء الله في هذا المقال لماذا فرض الحج، وما الذي قصده الشارع به من خير ونفع؟
مَن نظر في آيات القرآن وسنن الرسول تجلى له أن الشارع الحكيم ما فرض على كل مكلف من المسلمين والمسلمات أن يحج البيت الحرام مرة في عمره إلا لتحقيق مصالح اجتماعية لشعوب المسلمين وجماعاتهم، ولتحقيق مصالح فردية للحاج نفسه، فالحج من حيث ما قصد الشارع به من مصالح له ناحيتان: ناحية إصلاح اجتماعي، وناحية إصلاح فردي، ولا يكون أداء هذه الفريضة كاملا على أتم وجوهه إلا إذا عمل المسلمون على تحقيق إصلاحه الاجتماعي وعمل كل حاج على تحقيق إصلاحه الفردي