رأى بعض الصالحين الحاج في وقت خروجهم فوقف يبكي ويقول: واضعفاه وينشد على أثر ذلك:
فقلت دعوني واتباعي ركابكم *** أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد
ثم تنفس وقال: هذه حسرةُ من انقطع عن الوصول إلى البيت فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟ يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.
يا سائق العيس ترفق واستمع***مني وبلغ السلام عني
عرض بذكري عندهم لعلهم***إن سمعوك سائلوك عني
قل ذلك المحبوس عن قصدكم***معذب القلب بكل فن
يقول أملت بأن أزوركم***في جملة الوفد فخاب ظني
أقعدني الحرمان عن قصدكم***ورمت أن أسعى فلم يدعني
ينبغي للمنقطعين طلب الدعاء من الواصلين لتحصل المشاركة، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر لما أراد العمرة: ((يا أخي أشركنا في دعائك)). وفي مسند البزار ((عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج)). وفي الطبراني ((عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول في الطواف: اللهم اغفر لفلان بن فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ قال: رجل حملني أن أدعو له بين الركن والمقام فقال: قد غفر لصاحبك)).
ألا قل لزوار دار الحبيب***هنيئا لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضا***فنحن عطاش وأنتم ورود
لئن سار القوم وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فما يؤمننا أن نكون ممن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.
لله در ركائب سارت بهم تطوي القفار الشاسعات على الدجا
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا*** قلب المتيم منهمُ ما قد شجا
نزلوا بباب لا يخيب نزيله*** وقلوبهم بين المخافة والرجا
**************************
المتخلف عن الحج لعذر شريك للسائر
**************************
على أن المتخلف لعذر شريك للسائر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك: ((إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر)).
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد***سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا***ومن أقام على عذر كمن راحا
وربما سبق بعض من سار بقلبه وهمته وعزمه بعضَ السائرين ببدنه.
رأى بعض الصالحين في منامه عشية عرفة بعرفة قائلا يقول له: ترى هذا الزحام بالموقف قال: نعم. قال: ما حج منهم إلا رجل واحد تخلف عن الموقف فحج بهمته فوهب الله له أهل الموقف.
ما الشأن فيمن سار ببدنه إنما الشأن فيمن قعد بدنه وسار بقلبه حتى سبق الركب.
من لي بمثل سيرك المذلل *** تمشي رويدا وتجي في الأوَّل
يا سائرين إلى دار الأحباب قفوا للمنقطعين تحمَّلوا معكم رسائل المحصرين.
خذوا نظرة مني فلاقوا بها الحمى
يا سائرين إلى الحبيب ترفقوا***فالقلب بين رحالكم خلفته
ما لي سوى قلبي وفيك أذبته***ما لي سوى دمعي وفيك سكبته
**********************
إرسال السلام إلى رسول الله
**********************
كان عمر بن عبد العزيز إذا رأى من يسافر إلى المدينة النبوية يقول له: أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وروي أنه كان يبرد عليه البريد من الشام:
هذه الخيف وهاتيك منى***فترفق أيها الحادي بنا
واحبس الركب علينا ساعة***نندب الربع ونبكي الدمنا
فلذا الموقف أعددنا البكا***ولذا اليوم الدموع تقتنى
أتراكم في النقا والمنحنى ***أهل سلع تذكرونا ذكرنا
انقطعنا ووصلتم فاعلموا***واشكروا المنعم يا أهل منى
قد خسرنا وربحتم فصلوا***بفضول الربح من قد غبنا
سار قلبي خلف أحمالكم***غير أن العذر عاق البَدَنا
ما قطعتم واديا إلا وقد***جئته أسعى بأقدام المنى
آه وا شواقي إلى ذاك الحمى***شوق محروم وقد ذاق العنا
سلموا عني على أربابه***أخبروهم أنني حِلف الضنا
أنا مذ غبتم على تذكاركم***أترى عندكم ما عندنا؟
بيننا يوم أثيلات النقا***كان عن غير تراض بيننا
زمنا كان وكنا جيرة***فأعاد الله ذاك الزمنا
من شاهد تلك الديار وعاين تلك الآثار ثم انقطع عنها لم يمت إلا بالأسف عليها والحنين إليها.
ما أذكر عيشنا الذي قد سلفا*** إلا وجف القلب وكم قد وجفا
واها لزماننا الذي كان صفا*** وا أسفا لرده وا أسفا
من يرجع دهرنا بأرض الجزع***بين الأثلات والربى في سلع
قالوا اصبر وليس ذا في وسعي***يا حزن أقم وأنت سر يا دمعي
يا ليتنا بزمزم والحجر***يا جيرتنا قبيل يوم النفر
هل يرجع صافي ما مضى من عمر*** أدري ما كن ليتني لا أدري