**************************
4- الصدقة تكون بالمال وغيره
**************************
وقد كان بعض الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تختص بالمال وأن الذكر وسائر أعمال المعروف صدقة. كما في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه: ((أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة)). وفي المسند عنه أنه قال: ((يا رسول الله الأغنياء يتصدقون ولا نتصدق. قال: وأنت فيك صدقة، رفعك العظم عن الطريق صدقة، وهدايتك الطريق صدقة، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة، وبيانك عن الأرتم صدقة، ومباضعتك امرأتك صدقة)). وفي المعنى أحاديث كثيرة جدا يطول ذكرها.
*******************************************
5- من عجز عن عمل وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر
*******************************************
واعلم أن من عجز عن عمل خير وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر كما تقدم في الذي قال: "لو كان لي مال لعملت فيه ما عمل فلان..."، أنهما سواء في الأجر والوزر، وقد قيل: إنهما سواء في أصل الأجر دون المضاعفة؛ فإنها تختص بالعامل، فمن هنا كان أرباب الهمم العالية لا يرضون بمجرد هذه المشاركة، ويطلبون أن يعملوا أعمالا تقاوم الأعمال التي عجزوا عنها؛ ليفوزوا بثواب يقاوم ثواب تلك الأعمال ويضاعف لهم كما يضاعف لأولئك فيستووا هم وأولئك العمال في الأجر كله.
وقد كان بعض من يقعد عن الجهاد من امرأة وضعيف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن عمل يعدل الجهاد.
وفات بعض النساء الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة قال: ((اعتمري في رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة، أو حجة معي)) وقالت عائشة: ((يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: جهادكن الحج والعمرة))
وكان منهم من إذا تخلف عن الغزو واجتهد في مشاركة الغزاة في أجرهم، فإما أن يخرج مكانه رجلا بماله، وإما أن يعين غازيا، وإما أن يخلفه في أهله بخير. فإن من فعل هذا كله فقد غزا.
تصدق بعض الأغنياء بمال كثير فبلغ ذلك طائفة من الصالحين فاجتمعوا في مكان وحسبوا ما تصدق به من الدراهم وصلَّوا بدل كل درهم تصدق به لله ركعة.
هكذا يكون استباق الخيرات والتنافس في علو الدرجات.
كذاك الفخر يا همم الرجال *** تعالَي فانظري كيف التغالي
**********************
6-فضل الله على المسلمين
**********************
سبحان من فضل هذه الأمة وفتح لها على يدي نبيها -نبي الرحمة- أبواب الفضائل الجمة، فما من عمل عظيم يقوم به قوم ويعجز عنه آخرون إلا وقد جعل الله عملا يقاومه أو يفضل عليه، فتتساوى الأمة كلها في القدرة عليه.
لما كان الجهاد أفضل الأعمال ولا قدرة لكثير من الناس عليه كان الذكر الكثير الدائم يساويه ويفضل عليه، وكان العمل في عشر ذي الحجة يفضل عليه إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع منهما بشيء.
لما كان الحج من أفضل الأعمال، والنفوس تتوق إليه لِمَا وضع الله في القلوب من الحنين إلى ذلك البيت المعظم، وكان كثير من الناس يعجز عنه ولا سيما كل عام شرع الله لعباده أعمالا يبلغ أجرها أجر الحج، فيتعوض بذلك العاجزون عن التطوع بالحج.
ففي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان له مثل أجر حجة وعمرة تامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة تامة)).
شهود الجمعة يعدل حجة تطوع، قال سعيد بن المسيب: "هو أحب إلي من حجة نافلة، وقد جعل النبي المُبَكِّر إليها كالمُهْدِي هَدْيًا إلى بيت الله الحرام.
وفي حديث ضعيف: ((الجمعة حج المساكين)).
وفي تاريخ ابن عساكر: "عن الأوزاعي، قال: مر يونس بن ميسرة بن حلبس بمقابر "باب توما"، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، فرحمنا الله وإياكم، وغفر لنا ولكم، فكَأَنْ قد صرنا إلى ما صرتم إليه. فرد الله الروح إلى رجل منهم فأجابه فقال: طوبى لكم يا أهل الدنيا حين تحجون في الشهر أربع مرار. قال: وإلى أين يرحمك الله؟ قال: إلى الجمعة أما تعلمون أنها حجة مبرورة متقبلة. قال: ما خير ما قدمتم؟ قال: الاستغفار يا أهل الدنيا. قال: فما يمنعك أن ترد السلام. قال: يا أهل الدنيا السلام والحسنات قد رفعت عنا فلا في حسنة نزيد ولا في سيئة ننقص غُلِقَتْ رُهُونُنا يا أهل الدنيا.
في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد لأداء صلاة مكتوبة فأجره مثل أجر الحاج المحرم، ومن خرج لصلاة الضحى كان له مثل أجر المعتمر)).
وفي حديث أنس ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى رجلا ببر أمه وقال له: أنت حاج ومعتمر ومجاهد)) يعني إذا برها.
وقال بعض الصحابة: الخروج إلى العيد يوم الفطر يعدل عمرة ويوم الأضحى يعدل حجة.
قال الحسن: مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة.
وقال عقبة بن عبد الغافر: "صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة وصلاة الغداة في جماعة تعدل عمرة)). وقال أبو هريرة لرجل: بكورك إلى المسجد أحب إلي من غزوتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره الإمام أحمد.