لا بد لنا مع مطلع كل عام هجري جديد من وقفة تأمل مع واقعنا الذي يموج بالفتن والاضطرابات، ونقارن بينه وبين ماضينا المستقر الذي استمد استقراره وأمنه من روح الإسلام وهديه وقيمه.
ولعلنا بمراجعة موضوعية لحالنا المؤسف نعود إلى صفائنا الروحي واستقرارنا النفسي وهدوئنا العقلي.
لا بد لنا من استرجاع ذكرياتنا القديمة لا لنعيش على هامشها بل لنستلهم منها العبرة، ونأخذ منها الفكرة، ونصوغ لأنفسنا من ضوئها حياة أفضل، ونستمد من صفاتها زادا يعيننا على مسيرة الأيام، وينقذنا من أوجاع الحياة.
نحن نحتفل بعيد الهجرة كل عام، ولكن هذا الاحتفال لم يجدد لنا حياتنا كما نريد، وقصائد الشعر وخطاب المحافل لم تفتح لنا الآفاق التي نريد ولم تقدم لنا الجديد.
ذلك أن احتفالنا هو من واقع التقليد لا غير، وليس من واقع الإيمان بالمثل التي يقدمها هذا الحدث الرائع الذي غير مجرى التاريخ، والذي نقل المسلمين قديما من حال إلى حال، والذي أضاف إلى تراث الإنسانية الكثير الطيب.
ولقد آن للمسلمين في حالتهم الراهنة التي أصبحوا فيها كثرة كغثاء السيل، آن لهم أن يفكروا في حالهم مليا، وأن يتفقدوا ما ضاع منهم حتى أصبحوا خواء لا قيمة له، وهملا لا أثر له، يقتتلون فيما بينهم، ويتطاحنون فيما لا طائل تحته، ويتنازعون حول تيارات وأفكار حذر الدين منها، وقد تفرقوا شيعا وأحزابا.
****************
من دروس الهجرة:
****************
ولعل أول ما يطالعنا من دروس الهجرة هو ذلك الإصرار على المبدأ والإيمان العميق الذي يهون في سبيله الاستشهاد والتضحية.
لقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وحيدا لا معين له إلا الله، والتفت حوله حفنة من أصحابه الأطهار الذين آمنوا به وصدقوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وجاهدوا في الله حق جهاده، تحدوا الصعاب، واقتحموا العقبات، وتعرضوا لأعتى ضروب الامتحان والتعذيب، لم تهن لهم عزيمة ولم تلن لهم قناة، والتاريخ يحدثنا عن ذلك كثيرا، وكيف [كان] موقف المشركين من المسلمين، وكيف حاول أولئك أن يفتنوا هؤلاء عن دينهم، فلم يجد هؤلاء [بدا] من الفرار بدينهم خوفا من الفتنة، فهاجروا إلى الحبشة مرتين وهناك وجدوا الأمن والأمان، ولكن الذين بقوا بمكة ظلوا متعرضين لوحشية التعذيب الذي كان من حلقاته ذلك الحصار الرهيب في شعب بني هاشم لمدة ثلاث سنوات طوال، قاسى المسلمون الصامدون خلالها الجوع والهلاك.
ومع ذلك أصر المسلمون على موقفهم حتى فتح الله لهم أفقا جديدا وأملا جديدا بإسلام من أسلم من الأنصار الذين فتحوا قلوبهم ومدينتهم للمسلمين.