و لقد أثارت حالته-أي زيد بن عمرو - هذه إهتمام بعض علماء الكلام من قديم الزمان ، و هم من أجل ذلك يذكرونه عند تعريفهم للنبي ، و يتساءلون : أخارج عن التعريف أم داخل فيه : يقول الجلال الدواني في تعريف النبي :
" هو إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق لتبليغ ما أوحاه إليه ، و على هذا لا يشمل ما أوحى إليه ما يحتاج إليه لكماله في نفسه ، من غير أن يكون مبعوثا إلى غيره ، كما قيل في زيد بن عمر بن نفيل ، اللهم إلا أن يتكلف (1) "
و لعل من الأسباب التي وجهت بعض المتكلمين إلى ذكر زيد عند حديثهم عن النبوة ما روى عن سعيد بن زيد بن عمرو قال : سألت أنا و عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن زيد فقال:
" يأتي يوم القيامة أمة وحده".
و سواء أكان نبياً أوحى إليه بما يكمل نفسه ، أم لم يكن نبيا – فإنه كان من هؤلاء الذين يتطلبون المعرفة الحقيقية ، و يسعون وراءها جاهدين ، كان يعتصر ذهنه ، و يشحذ شعوره يريد أن يحل ألغاز الكون ، و يكشف أسرار العالم ، و يجيب عن:
من أين ؟
و إلى أين ؟
و لم ؟
و لكنه يتلفت يميناً ، و يتلفت يساراً، فلا يجد نفسه إلا في بيداء مظلمة ، و في ضلال محيط ، و يثور شعوره الديني فينشد – و كأنه يصرخ أو يستغيث:
أربــا واحــداً أم ألــف رب**أديــن ، إذا تقسـمت الأمــور
عزلـت اللات ، و العـزى جميع** كــذلك يفـعل الجـلد الصبـور
فلا العـزى أديـن ، و لا ابنتيهـا** و لا صـنعي بـني عمرو– أزور
ولا هبـلا أديـن ، و كـان ربـا **أنا فـي الدهـر ، إذ حلمي يسيـر
عجبت ، وفي الليـالي معجبـات**و فـي الأيـام ، يعرفها البصـير
بـأن الله قـد أفنـى رجـــالا **كثيــرا كـان شـأنهم الفجـور
و أبقــى آخـرين ببـر قــوم**ليربـو مـنهم الطفـل الصغـير
وبينـا المرء يفتر ثـاب يومــا**كمــا يتـروح الغصن المطـير
ولــكن أعبد الرحمـن ربــي**ليغفـر ذنبـي الـرب الغفــور
فتقـوى الله ربـكم احفظوهــا** متـى ما تحفظوهـا لا تبـوروا
تـرى الأـبرار دارهم: جنــان **و للكفــار : حــامية سعــير
وخزي في الحيـاة ، و إن يموتوا**يـلاقي مـا تضـيق به الصـدور
______________________
(1) العقائد القصدية ، ص 3.