جو الذي نشأ فيه الإسلام-الحنفاء (5) :
--------------------------------------------
كيف انتهى زيد إلى حقيقة مذهبه ؟ و ماذا كان سبيله إلى الإطمئنان الروحي ؟ و ماذا كان يرى في مشكلة المبدأ ، و مشكلة المصير ، و مشكلة الغاية !
عن كل ذلك يصمت التاريخ ..
و لكن الذي لا شك فيه أن زيدا اطمأنت نفسه إلى منطق ، أو إلى ألهام فيما يتعلق بما وراء الطبيعة.
و لم يكن زيد الوحيد في جزيرة العرب الذي بحث عن الله ، بل كان هناك كثير غيره ، كان هناك:
أمية بن أبي الصلت الشاعر المشهور.
و كان على حسب ما يروي صاحب الأغاني :
" قد نظر في الكتب و قرأها ، ولبس المسوح تعبداً"
و كان ممن ذكر إبراهيم و إسماعيل و الحنيفية ، و حرم الخمر و شك في الأوثان و كان محققا ، و التمس الدين ، و طمع في النبوة ، لأنه قرأ في الكتب أن نبياً يبعث من العرب ، فكان يرجو أن يكون هو.
و شعره حافل بذكر الرسل و الأنبياء ، و الجنة و النار و الثواب و العقاب ، حتى لقد قال ابن سلام :
" كان أمية كثير العجائب ، يذكر في شعره خلق السماوات و الأرض ، و يذكر الملائكة ، و يذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء ! "
و نحن – و إن لم يصلنا كل شعره – يدل ما جمعه منه الأستاذ شلتس على الكثير من منازعه ، و من شعره الذي يدل على اتجاهه :
ألا أيــها الإنسـان إيـاك والـردى**فــإنك لا تخفـي من الله خافيــاً
وإيـــاك لا تجعـل مع الله غـيره** فـإن سبيـل الرشـد أصبح باديـا
رضيت بك اللــهم ربـاً ، فلن أرى**أديـن إلــها غيـرك الله ثانيــاً
أدين لــرب يستجـيب ، و لا أرى**أديـن لمن لم يسمع الدهـر داعيـاً
و أنت الذي من فضـل من ورحمـة**بعثت إلـى موسـى رسولا مناديـاً
فقلت له: يااذهب و هـارون فادعـوا**إلـى الله فرعون الذي كان طاغيـاُ
و قولا له: أأنت ســويت هـــذه**بــلا وتد حتى اطمأنت كما هيـا
و قولا له: أأنت رفــعت هـــذه** بــلا غـمد أرفـق إذا بك بانيـا
و قولا له: أأنت سـويت وسطــها**منيــراً إذا ما جنـه الليل هاديـا
و قولا له: من يرسل الشمس غـدوة**فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا
و قولا له: من ينبت الحب في الثرى** فيصبح منـه البقـل يهتز رابيــا
و يخـرج منه حبـه فـي رءوسـه**وفي ذلك آيــات لمن كان واعيـا
و أنت بفضـل منك نجيت يونســاً**و قد بات في أضعـاف حوت لياليا
و إنـي لو سبحـت بإسمك ربنــا**لأكـثر إلا مـا غفـرت خطائيـا