و كان أبو قيس بن أبي أنس من الحنفاء ، و هو من بني النجار ، و كان ترهب و لبس المسوح ، و فارق الأوثان وهم بالنصرانية ، ثم أمسك عنها ، و دخل بيتاً له ، فاتخذه مسجداً لا يدخله طامث و لا جنب و قال : اعبد رب ابراهيم.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أسلم و حسن إسلامه ، و قال في رسول الله صلى الله عليه و سلم شعراً يمتدحه (1):
و من الحنفاء خالد بن سنان و هو من بني عبس ، و يقول ابن قتيبة : و روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
ذلك نبي أضاع قومه ..
و أتت ابنته رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمعته يقرأ: ( قل هو الله أحد ) فقالت : كان أبي يقول ذاك (2).
بعض من رأى التدين بالنصرانية:
***************************
و كانت النزعة إلى الحنيفية شائعة في جزيرة العرب ، و لكن من العرب من رأى التدين بالنصرانية أو اليهودية ، بيد أنهم لم يكونوا يدينون بواحده منهما إلا بعد أن يجولوا في شعاب التفكير ، و يضلون في متاهات ما وراء الطبيعة : فيروا بعد بحث و تفكير أن الأسلم التزام دين يأمنون في رحابه من ضلال الأوهام:
ذكر ابن هشام المتوفي بالفسطاط سنة 218 هـ في سيرته ص 237.
قال ابن إسحاق : و اجتمعت قريش يوماً في عيد لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه و ينحرون له ، و يعكفون عنده و يدورون به ، و كان ذلك عيداً لهم في كل سنة يوماً.
فخلص منهم أربعة نفر نجياً ، ثم قال بعضهم لبعض : تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض ، قالوا : أجل . و هم : ورقة بن نوفل ... و عبد الله بن جحش بن رئاب ... و كانت أمة أميمة بنت عبد المطلب ، و عثمان بن الحويرث ، و زيد بن عمرو بن نفيل ... فقال بعضهم لبعض : تعلموا و الله : ما قومكم على شئ ، لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ! ما حجر نطيف به لا يسمع ، و لا يبصر ، و لا يضر ، و لا ينفع ؟ يا قوم ، التمسوا لأنفسكم ديناً فإنكم و الله ما أنتم على شئ ، فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية ، دين إبراهيم.
فأما ورقة بن نوفل : فاستحكم في النصرانية ، و اتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً من أهل الكتاب.
و أما عبد الله بن جحش : فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ... فلما قدمها تنصر ..
و أما عثمان بن الحويرث : فقدم على قيصر ملك الروم ، فتنصر و حسنت منزلته عنده ..
و أما زيد بن عمرو بن نفيل : فوقف فلم يدخل في يهودية و لا نصرانية ، و فارق دين قومه ، فاعتزل الأوثان ، و الميتة و الدم ، و الذبائح التي تذبح على الأوثان ، و نهى عن قتل الموءودة ، و قال : أعبد رب إبراهيم : و بادى بقوم بعيب ما هم عليه.
كان من هؤلاء ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى ، و هو عربي أصيل من ذروة بيوتات قريش.
و هو – كما يروى صاحب الأغاني "أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية و طلب الدين ، و قرأ الكتب ، و أمتنع عن أكل ذبائح الأوثان".
-----------------------------------------------------
(1) المعارف لابن قتيبة ص 28 .
(2) المعارف لابن قتيبة ص 29 .