طلب ورقة الدين ، و لم يكتف في طلبه باللغة العربية ، بل لعل اللغة العربية إذ ذاك لم تكن تسعفه بما يريد من معرفة فتعلم العبرانية " و كان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب العبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب".
و لم يكن أمر معرفته و علمه مجهولا بين قومه ، و لذلك انطلقت خديجة بنت خويلد إليه بالنبي صلى الله عليه و سلم : لتستفسر عما عرض للرسول من أمر الوحي ، فأفادها و طمأنها ، و تمنى أن لو عاش حتى يرى الرسول قد أمر بنشر دعوته ، لينصره نصراً مؤزراً.
و كان ورقة شاعراً ناضج التفكير في شعره ، و مثال ذلك قوله :
لـقد نصحت لأقـوام و قـلت لهـم**أنـا النذيـر ، فلا يغرركم أحــد
لا تعــبدن إلــها غير خـالقكم ،** فإن دعـوكم فقولوا : بيننا حـدد (1)
سبحان ذي العرش ، سبحاناً نعوذ به**و قبل قد سبح الجودي (2) و الجمـد
مسخر كـل مـا تحت السمـاء له **لا ينبغـي أن ينـاوى ملكه أحــد
لا شئ ممـا تـرى تبقى بشـاشته**يبقى الإلـه و يودي المـال و الولـد
لم تغن عن هرمـز يومـا خـزائنـه**و الخلد قد حاولت عـاد فما خلـدوا
و لا سليمـان إذا دان الشعوب لـه**والجن والإنـس تجـري بينها البرد (3)
و يروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عنه فقال: " قد رأيته في المنام كأن عليه ثياباً بيضاً ، فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض"
لم يكن أمثال ورقة ، و أمثال زيد من النادرين في العرب ، و لم يكونوا يستخفون بآرائهم ، فكثيراً ما كان يدور النقاش بينهم و بين قومهم ، فضلا عن دورانه بين بعضهم و بعض.
ولقد عاب زيد فيما يبدو ورقة على اعتناقة النصرانية ، و أراد منه التخلي عنها فقال : "أنا أستمر على نصرانيتي إلى أن يأتي النبي الذي تبشر به الأحبار".
حينما اطمأن زيد إلى التوحيد ، و أعلن ذلك قال ورقة له :
رشدت و أنعمت ابن عمرو ، و إنما**تجنبت تنـوراً من النـار حاميـا
بديـنك ربـاً ليس رب كـمثله **و تركك جنان (4) الجبال كما هي
__________________
(1) المنع.
(2) البرد جمع بريد و هو الرسول.
(3) الجودي و الجمد : جبلان.
(4)حنان الجبال : الذين يأمرون بالفساد من شياطين الجن.