وإذا بدد القرآن كل شبهة حلقت في سماء فكرة الألوهية ، وثنية كانت تلك الفكرة أو كتابية – فإنه خص فكرة الألوهية بسورة واضحة ، جليلة ، سهلة ، موجزة ، سماها: سورة الإخلاص: لتخليصها تلك الفكرة من شوائب كل باطل وضلال.
(بسم الله الرحمن الرحيم ، قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) (1)
ولقد ورد في الخبر أنها تعدل ثلث القرآن ، لأن من عرف معناها حق المعرفة ، و أدرك ما أشارت إليه إدراك صاحب البصيرة المستنيرة – لم يكن بقية ما جاء في التوحيد و التنزيه عنده إلا تفصيلا لما علم ، وشرحا لما حصل (2)
في هذه السورة يوصف الله بأنه "أحد" و كلمة "أحد" أبلغ في الدلالة على الوحدة من كلمة "واحد" فأحدية الله لا تركب فيها بوجه من الوجوه. إنها ليست كواحدية الإنسان الذي يتركب من أعضاء ووحدات.
وفي هذه الآية فكرة الإسلام في مقابل فكرة التعدد على أي وضع كانت" (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) (3)
إنها تنفي التثليث و تنفى التركب ، إنها رد على النصارى ، وعلى مشركي العرب ، وهي رد على مشبهة الإسلام فيما بعد.
و(الله الصمد) فإليه يرجع الأمر كله ، وهو – وإن كان قد سبب الأسباب ، و أجرى سنته على أوضاع محددة ، وطلب إلينا أن نتخذ الأسباب – مع ذلك هو المرجع الأول والأخير لكل ما يجري في هذا العالم من شئون ، فإذا ما توجهت الآمال إلى سواه فقد ضلت وانحرفت ، ولقد ضلت بسبب ذلك النصارى واليهود فقد:
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (4)
وفي هذه الآية ، بصورة عامة : توجيه لكل من كان يعلق آماله على غير الله.
(لم يلد ولم يولد)
ينزه الله على أن يلد أحداً ، ويشير إلى فساد رأى القائلين بأن له ابناً ، أو بنات ، وهم مشركو العرب ، و الهند ، و النصارى ، و غيرهم ، و يبين لهم أن الأبنية تستلزم الولادة و التعبير بالانبثاق ونحوه لا يغير المعنى ، والولادة إنما تكون من الحي الذي له مزاج ، و ما له مزاج ، فهو مركب ، ونهايته إلى انحلال و فناء ، وهو جل شأنه منزه عن ذلك.
وقوله "لم يولد" يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابناً لله يكون إلها ، و يعبد عبادة الإله ، ويقصد فيما يقصد فيه الإله ، بل لا يستحي الغالون منهم أن يعبروا عن والدته بـ "أم الله القادرة" فإن المولود حادث ، و لا يكون إلا بمزاج ، وهو لا يسلم من عاقبة الفناء.
ودعوى أنه أزلى مع أبيه مما لا يمكن تعقله ، و لا تغير من حقيقة الأمر شيئاً ، فإذا أراد أحد من هؤلاء أن يدعي التنزيه فما عليه إلا أن يقلع عن هذه الألفاظ والنسب ويقول كما نقول:
(الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد)
وهو نفي لما يعتقده بعض المبطلين من أن لله نداً في أفعاله يعاكسه في أعماله على نحو ما يعتقد بعض الوثنين في الشيطان مثلاً.
فقد نفى بهذه الصورة جميع أنواع الإشراك ، وقرر جميع أصول التوحيد و التنزيه. (5)
____________
(1) سورة الإخلاص.
(2) الشيخ محمد عبده – جزء عم ص 176.
(3) سورة المائدة آية: 73.
(4) سورة التوبة آية: 31.
(5) الشيخ محمد عبده تفسير جزء عم 178 – 179.