هناك كثير من دواعي القرآن الكريم لا يتنبه إليها العقل إلا بعد أن يبحث ويعيش وينشط .. هذا الإعجاز يظهر في دقة التعبير في القرآن الكريم .. ثم يظهر بطريقة أكثر وضوحاً فيما يحاول بعض المستشرقين أن يدعوه على القرآن من ادعاء بالتناقض ..
ولقد تحدثت في الفصول السابقة الماضية عن الإعجاز في بلاغة القرآن الكريم .. ثم تحدثت عن الإعجاز فيما يدعونه من تناقض القرآن الكريم .. والآن انتقل إلى قضية يحاول البعض اثارتها ..
حين فشلت قضية التناقض جاءوا بشئ اسموه تصادم القرآن الكريم .. وحقائق الكون .. وادعوا أن بعض آيات القرآن تتصادم مع الحقائق الكونية .. وهذا افتراء .. فلا يمكن أن يتصادم القرآن مع أي حقيقة كونية .. لماذا؟
لأن القائل هو الخالق .. ولا يمكن أن يكون هناك انسان أعلم بقوانين الكون من خالقه .. ولكن الهدف من الطعن في القرآن الكريم – ويجب أن نفطن لذلك – هو محاولة الإيهام بأن القائل بشر .. وسنناقش في هذا الفصل بعض ما يقال عن تصادم القرآن الكريم وحقائق الكون ..
قبل أن نبدأ يجب أن نتنبه إلى أن القرآن الكريم له عطاء متجدد .. وهذا العطاء المتجدد هو استمرار لمعنى اعجاز القرآن .. ولو أفرغ القرآن عطاءه كله أو اعجازه كله في عدد من السنوات .. أو في قرن من الزمان .. لاستقبل القرون الأخرى دون اعجاز أو عطاء .. وبذلك يكون قد جمد .. والقرآن لا يجمد أبدا .. وإنما يعطي لكل جيل بقدر طاقته .. ولكل فرد بقدر فهمه .. ويعطي للجيل القادم شيئا جديدا لم يعطه للجيل الذي سبقه .. وهكذا ..
ولهذا ندرك كما ذكرت من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تنزل عليه القرآن لم يتعرض بالتفسير إلا لما تقتضيه أحكام هذا الدين في "افعل ولا تفعل" .. الأشياء التي إذا فعلتها نجوت .. وإذا لم أفعلها عوقبت .. أما ما هو متصل بقوانين هذا الكون مما سيكشفه الله من علم البشر في المستقبل .. وما سيظهر بعد ذلك للعالم .. فلم يتعرض له التفسير .. لماذا .. لأن العقل في ساعة نزول القرآن لم يكن عنده الاستعداد العلمي ليفهم حقائق الكون ..ولذلك أخذ منها قدر حجمه .. وأعطاه القرآن ما يعجبه ويرضيه .. ثم مرت السنوات أو القرون .. وظهرت حقائق علمية حديثة .. فتبين لنا أن عطاء القرآن فيها كان عطاء متجددا ..