ننتقل بعد ذلك إلى قضية دوران الأرض حول نفسها .. لترى أن الله سبحانه و تعالى يمسها في القرآن كحقيقة كونية .. فهو يتحدث حين يقول سبحانه في سورة النمل:
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [من الآية 88 سورة النمل]
الجبال رواسي للأرض المفروض أن تثبتها وتمنعها من الحركة .. ومن أن يحدث بها أي خلخلة أو اهتزاز .. هذه الجبال هي الرواسي التي تجعل الأرض لا تميد بالإنسان .. هي مركز الثبات التي إذا نظرت إليها .. وإلى ضخامتها تعتقد أن الأرض ثابته في مكانها لا تتحرك خطوة واحدة .. ثابتة جامدة .. يأتي الله سبحانه وتعالى ويقول:
"وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب"
لماذا قال الله سبحانه وتعالى تحسبها .؟ قالها رحمة بالعقل البشري .. فالإنسان يظن أن الجبال جامدة .. ولكن الله سبحانه و تعالى يريد أن يخبرنا أن هذه الجبال التي نراها أمامنا ونحسبها جامدة .. تتحرك من مكان إلى آخر .. ولكنها "تمر مر السحاب" .. لماذا ..؟ لأن السحاب لا يملك ذاتية الحركة .. لا يتحرك بنفسه .. إنما تحركه الرياح .. فالسحاب بدون الريح يبقى في مكانه .. ولكن الرياح هي التي تدفعه من مكان إلى آخر .. ومن هنا فإن استخدام الله سبحانه وتعالى لكلمة "مر السحاب" .. يريد أن ينبئنا أن الجبال التي نحسبها جامدة تتحرك ولكنها لا تتحرك بنفسها .. بل هي تابعة لحركة أخرى تدفعها .. تماما كما تدفع الريح السحاب ..
وإذا كانت الجبال وهي أوتاد الأرض ولا تتحرك ذاتيا من نفسها .. فما الذي يدفعها .. محرك آخر .. وما هو المحرك الآخر .. انه الأرض .. وكأن الجبال تتحرك بحركة الأرض .. فلابد أن الأرض نفسها تتحرك وتدور .. وإلا فكيف تقوم بتحريك الجبال وهي ثابتة .. إن الجبال في حركتها .. تابعة لشئ آخر يتحرك .. تماما كالسحاب الذي يتبع في حركته الريح والجبال ثابتة فوق الأرض فلا يوجد محرك آخر لها إلا الأرض .. وهكذا مس الله سبحانه و تعالى دوران الأرض بشكل بديع يبين لنا أن الأرض تتحرك وتدور حول نفسها .. وأن الجبال التي هي أوتاد الأرض تتحرك تابعة للأرض في حركتها .. وأننا نحسب هذه الجبال جامدة .. ولكن قول الله سبحانه و تعالى "تحسبها جامدة" محتاج إلى وقفة .. ذلك أنه يقدم لنا حقيقة علمية أخرى ..
انك حين تكون فوق جسم متحركة حركة رتيبة لا اهتزاز فيها فإنك لا تحس بهذه الحركة إلا إذا قست هذا الجسم إلى جسم ثابت .. الطائرة حين تطير بنا .. إذا نظرت من النافذة .. فإني أحس بحركة الطائرة وطيرانها .. ولكن إذا أقفلنا النوافذ .. وكان الجو مستقرا ليس فيه أي اضطراب بحيث لم يصاحب هذا الطيران أي اهتزاز فإنني لا أشعر اطلاقا بحركة الطائرة .. لماذا؟ لأن كل شئ داخل جسم الطائرة هو ثابت بالنسبة لي فالمقاعد ثابتة وموقع من يجلسون حولي ثابت .. ولا أحس في هذا بأية حركة .. وكذلك بالنسبة للقطار و السيارة .. أنت حين تغلق النوافذ .. وتكون الحركة ذاتية متزنة هادئة لا اهتزاز فيها .. فإنك لا تحس بالحركة .. ولكن إذا فتحت النافذة وقست الحركة إلى شئ ثابت فإنك تحس بالحركة ..
إذن فالله سبحانه و تعالى يريد أن يقول لنا أنتم لا يمكنكم أن تدركوا حركة الجبال هذه بحسكم .. لأن وضعها بالنسبة للأرض ثابت .. ووضعها بالنسبة لكم ثابت .. ووضعها بالنسبة لكل شئ حولها ثابت .. ومن هنا فإتك تحسبها جامدة .. ولا تفطن إلى حركتها أبدا .. لأنه ليس هناك شئ أمامك .. تقيس الحركة به .. ولكني أقول لك أن هذه الجبال تتحرك وهي في حركتها ليست لها حركة ذاتية أي أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان فوق الأرض .. بل تتبع الأرض في دورانها .. ثم تتعجب أنت لذلك فيقول لك الله سبحانه و تعالى لا تتعجب إنه "صنع الله الذي أتقن كل شئ" يكون هناك يقين ..
بعض الناس يقولون أن هذا الوصف ينطبق على يوم القيامة .. ولكننا نقول لهم أنه في يوم القيامة لا يكون هناك حسبان ولكن يكون يقينا ..
"فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد .."
ويقول الله سبحانه وتعالى عن الجبال يوم القيامة:
"ويسألونك عن الجبال قل ينسفها ربي نسفا" ..
فكيف ينسفها الله ثم نحسبها جامدة ويقول الله سبحانه وتعالى:
"يوم تبدل الأرض غير الأرض .. والسموات"..
في يوم القيامة .. ينسف الله الجبال ويبددها .. وكل شئ أمامك يكون يقينا فأنت ترى الجنة .. وترى النار .. وترى الله رؤية اليقين .. فالحسبان في الدنيا .. واليقين في الآخرة ..