وهي الآية الكبرى التي حمى الله بها بيته المحرم من عدوان الطغاة المعتدين, وجعل كيدهم في تضليل حيث أرسل عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.
وليس من شأننا في هذا المقام أن نذكر كل التفاصيل الدقيقة لهذه القصة العجيبة ولكننا نقف عند النقطة الفاصلة فيها حينما توجه جيش الأحباش إلى الكعبة يريدون هدمها يقودهم أبرهة الأشرم وتتقدمهم الفيلة بشكلها المهيب الذي لم تألفه العرب في حروبها وعلى رأسها قائدها وهو الفيل الأكبر. ومن وراء هذه الفيلة العدة والعديد والبأس الشديد.
فلقد ذكر الرواة أن هذا الفيل الأكبر الذي كان يتقدم الجيش الحبشي حينما أصبح قريبًا من الكعبة ظل جامدًا في مكانه، فإذا وجهوه إلى اليمن أسرع وهرول، وإذا وجهوه إلى الكعبة وقف جامدًا ولم يتحول, وكأنما ألهم الله هذا الحيوان بما يخبئه الحدثان, وما ينتظر ذلك الجيش المعتدي من الخسف والنكال والهوان. ثم تجلت بعد ذلك آية الله الكبرى ومعجزته الباقية على الدهر؛ إذ أرسل الله إليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحمل حجرًا في منقاره وحجرين في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب أحدًا منهم إلا هلك ..
وذعر الأحباش واستولى عليهم الرعب والذهول فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ويسألون عن الطريق إلى اليمن فقال أعرابي رآهم في هذه الحيرة بعدما أنزل الله عليهم من نقمته:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
وجعلوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون بكل مهلك وأصيب أبرهة الأشرم قائد الجيش الحبشي في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، وكلما سقطت أنملة خرج وراءها الدم والقيح الكثير حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يقولون.
وإلى ذلك يشير الله عز وجل بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ [سورة الفيل: 1- 5].
وهكذا حمى الله بيته المحرم من عدوان الظالمين؛ لأنه البيت العتيق الذي كان مصدر الهدى والنور منذ رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فلما تغيرت الأحوال وعبد العرب الأصنام, وتركوا النور وتخبطوا في الظلام شاء الله ألا يطول عليهم الأمر في هذا الظلام وأراد بهم الخير فحمى هذ البيت من عدوان الأحباش ليعود إليه مجده التليد, ويتلألأ فيه النور من جديد, على يدي محمد بن عبد الله نبي الإسلام الذي ولد في هذا العام -أعني عام الفيل- فكانت حماية البيت تكريمًا لميلاد النبي الكريم وإرهاصًا لنبوته..
--------------------------------------------------------------------
الدكتور محمد الطيب النجار