وقصة بَحِيرَا الراهب حيث مرت به القافلة التجارية التي يقودها أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم, وقد رأى هذا الراهب وهو في صومعته محمدًا تظلله غمامة, ورأى بعد ذلك خاتم النبوة على كتفيه، ونصح عمه أبا طالب ألا يوغل به في أرض الشام خوفًا عليه من اليهود .. وصدق الرسول وأمانته ووصوله إلى أعلى مقام في هذا المجال حتى إنه لم يؤثر عنه مدى حياته كذبة واحدة أو انحراف طفيف, وحتى سُمِّيَ بالصادق الأمين، وكان يؤمن بذلك أعداؤه، والفضل ما شهدت به الأعداء كما يقولون .. وانصرافه قبل البعثة إلى التأمل في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله في هذه الدنيا من عجائب, وأودع بين جنباتها من أسرار وغرائب. وبُعْده على مدى أربعين سنة قبل البعثة عن شرور الجاهلية وآثامها وعقائدها الفاسدة؛ حتى إنه لم يسجد لصنم، بل كان أشد الناس بُغْضًا للأصنام، وكان كلما تقدمت سنه واقترب من كمال الرجولية ورأى ما عليه قومه من ضلال الوثنية أحب العزلة والانفراد عنهم، وَفَرَّ بعيدًا عن جهالتهم وضلالتهم .. ذلكم كله إنما يحمل في طياته إرهاصات النبوة وبشائرها حتى تتهيأ العقول لقبولها والإيمان بها.
وَبَعْدُ فما أجدرنا ونحن نستقبل شهر ربيع الأول أن نطالع تلكم البشائر المضيئة لنزداد إيمانًا ويقينًا ولنمضي في طريق الحق الذي دعا إليه نبينا العظيم ونتخذ من سيرته العطرة الزاد النافع الذي يعيننا على أعباء الحياة, ويصل بنا إلى شاطئ الأمن والنجاة .. هذا. ومن الله العون وبه التوفيق.