خامسا : الحلم والصبر
يجب على المحاور أن يكون حليمًا صبورًا، لا يغضب لأتفه سبب، ولا ينفر لأدنى أمر،
ولا يستفز بأصغر كلمة .
فقد أمر سبحانه نبيه بأخذ العفو و إعذار الناس وترك الإغلاظ عليهم كما في قوله تعالى :
.< الأعراف : ١٩٩ > ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )
والصفح والعفو أبلغ من كظم الغيظ ورد الغضب، لأن العفو ترك المؤاخذة، وطهارة القلب،
والسماحة عن المسيء، ومغفرة خطيئته.
وأعظم ذلك وأكبر هو دفع السيئة بالحسنة، ومقابلة فحش الكلام بلينه، والشدة بالرفق،
ورد الكلمة الجارحة بالكلمة الطيبة العذبه، والسخرية والاحتقار بالتوقير والاحترام، وهذه
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع : منزله لا يصل إليها إلا من صبر وكان ذا حظ عظيم
بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلٌقاها إلا الذين صبروا
.< فصلت : ٣٤ > وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
سادسًا: الرحمة والشفقة
إن المحاور المسلم المخلص الصادق يحرص على ظهور الحق، ويشفق على خصمه
الذي يناظره من الضلال، ويخاف عليه من الإعراض والمكابرة والتولي عن الحق.
فالرحمة والشفقة أدب مهم جدًا في الحوار، لأن المحاور يسعى لهداية الآخرين واستقامتهم
فلذلك يبتعد عن كل معاني القسوة والغلظة والفظاظة والشدة . فلا يكون الحوار فرصة للكيد
والانتقام، أو وسيلة لتنفيس الأحقاد، وطريقة لإظهار الغل والحسد، ونشر العداوة والبغضاء.
والرحمة جسر بين المحاور والطرف الآخر، ومفتاح لقلبه وعقله، وكلما اتضحت معالم
الرحمة على المحاور كلما انشرح صدر الخصم، واقترب من محاوره، وأذعن له واقتنع
فبما رحمةٍ من الله لِنَْت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب : بكلامه. يقول سبحانه مخاطبًا نبيه
.< آل عمران : ١٥٩ > لانفضوا من حولك
ولذلك كان الأنبياء في حوارهم مع أقوامهم يصرحون بالخوف والحرص والشفقة عليهم.
ومن نماذج ذلك تصريح مؤمن آل فرعون لقومه بالرحمة والش فقة والخوف عليهم في أكثر
وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ... ويا : من موضع . قال تعالى
.<٣٣ - غافر : ٣٠ > قوم إني أخاف عليكم يوم التناد
سابعًا : العزة والثبات على الحق
إن المحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين، وعظمة الإيمان، فلا يجوز أن يؤدي
الحوار بالمسلم إلى الذلة والمهانة . والعزة الإيمانية ليست عنادًا يستكبر على الحق، وليست
طغيانًا وبغيًا، وإنما هي خضوع لله وخشوع، وخشية وتقوى، ومراقبة لله سبحانه.
ثامنًا : حسن الاستماع
لابد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع ، فكما أن للكلام فنًا وأدبًا، فكذلك
للاستماع، وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره، ففرق بين
الحوار الذي فيه تبادل الآراء وبين الاستماع إلى خطبة أو محاضرة.
ومما ينافي حسن الاستماع : مقاطعة كلام الطرف الآخر، فإنه طريق سريع لتنفير
الخصم إضافة إلى ما فيه من سوء أدب، كما أنه سبب في قطع الفكرة مما يؤثر على تسلسل
الأفكار وترابطها، ويؤدي إلى اضطرابها ونسيانها .وقد ذكر العلماء في آداب المتناظرين :
ألا يتعرض أحدهما لك لام الآخر حتى يفهم مراده من كلامه تمامًا، وأن ينتظر كل واحد منهما
صاحبه حتى يفرغ من كلامه، ولا يقطع عليه كلامه من قبل أن يتمه.
والاستماع إلى الطرف الآخر وحسن الإنصات، تهيئ الطرف الآخر لقبول الحق، وتمهد
نفسه للرجوع عن الخطأ.
تاسعًا : الاحترام والمحبة رغم الخلاف
الخلاف أمُر واقع لا محالة، ولكن لا يجوز أن يؤدي الخلاف بين المتناظرين
الصادقين في طلب الحق، إلى تباغض وتقاطع وتهاجر، أو تشاحن وتدابر.
فأخوة الدين، وصفاء القلوب، وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية، والمسائل
الفرعية، واختلاف وجهات النظر، لا ينبغي أن يقطع حبال المودة، ومهما طالت المناظرة، أو
تكرر الحوار، فلا ينبغي أن تؤثر على القلوب، أو تكدر الخواطر، أو تثير الضغائن.
لقد اختلف السلف فيما بينهم، وبقيت بينهم روابط الأخوة الدينية.
فهذان الخليفتان الراشدان، أبو بكر وعمر، يختلفان في أمور كثيرة، وقضايا متعددة، مع
بقاء الألفة والمحبة، ودوام الأخوة والمودة.
ومع هذا الخلاف بينهما إلا أن كل واحد منهما كان يحمل الحب والتقدير والاحترام
للآخر، ويظهر ذلك من ثناء كل واحد منهما على صاحبه.