Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: التراث الإسلامى - مداخل منهجية ومحاولة تطبيقية-2 الجمعة أبريل 16, 2010 7:54 am | |
| وقبل عرض هذه العبارة يجدر بنا أن ننتبه إلى قضية القراءة؛ حيث يختلف الوضع عند قراءته قراءة صحيحة عن قراءته قراءة غير صحيحة. ولنرَ ما يقول: - اقتباس :
- "كتاب البيع، أَخَّرَه عن العبادات؛ لأنها أفضل الأعمال؛ ولأن الاضطرار إليها أكثر؛ ولقلة أفراد فاعله. ولفظه في الأصل مصدر؛ ولذا أفرده، وإن كان تحته أنواع، ثم صار اسمًا لما فيه مقابلة على ما سيأتي. ثم إن أُريد به أحد شقي العقد الذي يُسمى من يأتي به بائعاً، فيعرف بأنه تمليك بعوض على وجه مخصوص، ويقابله الشراء الذي هو الشِّق الآخر الذي يسمى من يأتي به مشترياً، و يعرف بأنه تملك بعوض كذلك. ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه اعتباراً، والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر للمعنى الشرعي كما سيأتي.
وإن أريد به المركَّب من الشقين معًا؛ بمعنى العلقة الحاصلة من الشقين التي ترد عليها الإجازة والفسخ، فيقال له لغةً: مقابلة شيء بشيء على وجه المعاوضة، فيدخل فيه ما لا يصح تملكه كالاختصاص، وما لو لم تكن صيغة كالمعاطاة، وخرج بوجه المعاوضة نحو السلام. وشرعاً: عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربى. وأركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. وهي في الحقيقة ستة أركان كما سيأتي. والعقد -في التعريف- جنس وشأنه الإدخال. لكن إذا كان بينه وبين فصله عموم من وجه يخرج بكلٍ منهما ما دخل في عموم الآخر. ولذلك قالوا: خرج بالعقد المعاطاة، وبالمعاوضة نحو الهدية، وبالمالية نحو النكاح، وبإفادة ملك العين الإيجارة، وبغير وجه القربى القرض. والمراد بالمنفعة بيع نحو حق الممر. والتقييد بالتأبيد فيه لإخراج الإيجارة أيضاً. وإخراج الشيء الواحد بقيدين غير معيب. وهذا التعريف أولى من التعريف بأنه مقابلة مال بمال على وجهٍ مخصوص لما لا يخفى [ كأن الكل يدرك إدراكًا عميقاً بما لا يخفي على أحد من الناس]. ثم البيع منحصر في خمسة أطراف: الأول في صحته وفساده. والثاني في جوازه ولزومه. والثالث في حُكمه قبل القبض وبعده. والرابع في الألفاظ المطلقة. والخامس في التحالف ومعاملة العبيد، وأفضل المكاسب الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة على الراجح". هذا النص الذي أوردناه هو الذي سنحاول أن نفهمه. ولعل الانطباعات حوله قد اختلفت من قارئ لآخر، بل تفاوت إدراكه ووعي معانيه بين القارئين. هذا التفاوت يعود -في الأصل والأغلب- إلى تفاوت في تحصيل التصور الكلي، والعلوم الخادمة، والمصطلحات، والنظريات الحاكمة. ونقدم بيان طرف من ذلك، قبل أن نقف على الأمور الأربعة تفصيلاً. فالمؤلف التراثي يقول هنا: "كتاب البيع". والبيع يسمى في النحو مصدرًا؛ وذلك لأن النحويين تصوروا جذر الكلمة ومادتها ورأوا التشكيلات المختلفة لها، وسألوا أنفسهم: أين مصدر هذه التشكيلات: بيع، بع، يبيع، بائع، مبيع، مبيعات، بيوع، مبايعة، ابتياع... وهكذا؟ وجدوا أن كل هذه الكلمات ترجع إلى "ب اع" أو "ب ي ع": الباء والألف والعين، أو الباء والياء والعين. وهذا ما قد تعلمناه في المراحل الأولى عند الكشف عن الكلمة في القاموس أو المعجم؛ حيث نبحث عن الجذر أو الأصل. رأى البصريون (وهم يمثلون مدرسة في النحو)، أنه المصدر"بيع" هو الجذر أو هو مصدر الاشتقاق، ومنه تتولد أو تُشتق باقي الكلمات: باع، يبيع، بائع.. .
فسموا هذا مصدرًا، والمصدر لدى النحاة يدل على حَدَثٍ، وليس دالاً على ذات. والحدث هو الفِعْل لغةً، مثل انتقال الشيء من هنا إلى هناك. هذا الحدث نسميه انتقالاً، وهو المصدر خاليًا من الزمن. أما إذا ارتبط الحدث بزمنٍ فقد استحال الأمر فعلاً؛ مثل: "باع"؛ أي أحدث البيع في الزمن الماضي، و"يبيع" أي أحدثه البيع في الزمن الحاضر، وهكذا. فهناك مصدر وهو دال على الحدث.
ويثور تساؤل، إن كان الإنسان المحدِث أو الأشياء المحدَثة تتعدد، فهل هذا الحدث يمكن أن يتعدد؟ هنا، وجد النحويون أن الحدث لا يتعدد؛ لأن قضية الانتقال هي قضية واحدة، وقضية الضرب تعبر عن ضرب واحد، لا يتعدد كونه اصطدام جسم بجسم آخر. والاصطدام في عقل الإنسان واحد؛ أي كينونته في عقل الإنسان واحدة. وهنا أسسوا قاعدة في النحو تعبر عن هذه الحالة الذهنية، هي أن "المصادر لا تجمع". فالمصدر لا جمع له، هذا في الأصل.
لكن النحويين أثاروا تساؤلاً آخر، مفاده: أليس للتعدد نفسه أنواع؟ فهل هناك نوع من أنواع التعدد التي يمكن أن ندركها في المصدر، كأن يكون هناك ضرب قوي وضرب ضعيف وضرب متوسط؟ فالاصطدام منه الضرب القوي، ومنه الضعيف؛ لذا رأوا إمكانية جمع المصدر من هذه الجهة، إذا ما تصورنا له أفراداً مختلفة. فالمصدر هو في ذاته، غيرُهُ هو في تصور أفرادٍ له. فالضرب -في ذاته- لا يتعدد، ولكن هو -من حيث كونه شديدًا- غيره من حيث كونه خفيفاً؛ لذا يجوز الجمع إذا ما نُظر من هذه الجهة.
إن التأمل في هذه الميكانيزمات التي طرحها علماء النحو لفهم الكلمة تدلنا على أن عقليتهم هي من ذلك النوع الذي يمكن أن نطلق عليه "العقلية الفارقة"؛ حيث كانوا يفرِّقون ما بين الأشياء. هذا المنهج الذي يعبر عنه الإنجليز بـ approach. وهم -أي النحاة- يعبرون عنه بـ"الاعتبار". لو اعتبرنا الحدث في ذاته، فإنه لا يتعدد. أما لو اعتبرنا صفاته، فإنه يتعدد ويُجمع. و"الاعتبار" هو المدخل الذي يتناول منه المرء مسألته.
ولما كان الأمر كذلك، فيجب علينا أن نعي كيف كان يفكر النحاة بصورة إجمالية، وكذلك كيف كان يفكر "المتكلمون" بصورة إجمالية،... وهكذا؛ وذلك حتى نفهم مثل هذه النصوص. هذه الاعتبارات فهمها الشيخ القليوبي عن أساتذته، وتعامل بها مع النصوص، ولم يذكرها في حاشيته ولا يمكن أن يذكرها؛ لأن هذه الأمور متعددة المجالات: من منطق ونحو وعلم كلام. لذا علينا أن نحصِّل هذا القدر المفتاحي الذي نستطيع أن نفهم به أي نص بعد ذلك.
ولنقرأ من "كتاب البيع" في "المنهاج": "آخِره عن العبادات". ماذا يعني "آخره عن العبادات"؟ هذا يعني أن البيع من العبادات، فهل هذا فهم صحيح؟ هذا خطأ! لماذا..؟ لأن المعنى الصحيح هو أن الإمام قد أخَّر كتاب البيع عن العبادات. فلقد بدأ بالعبادات: الصلاة، الصوم، الحج، وبعد أن فرغ من الحج تناول كتاب "البيوع". إذًا فـ"أخَّره عن العبادات"؛ أي تناولـه بعد أن فَرَغَ من مناقشة وتفصيل العبادات. فلو قُرئِتْ بالمعنى الخاطئ السابق بألف المد* -مثلما يحدث مع بعض من لا يُدركون اللغة- لاختلف المعنى عما أراده المؤلف التراثي.
أما قوله "لأنها أفضل الأعمال" فيعني أن المؤلف بدأ بالأفضل وهي العبادات؛ لأن المرء دائمًا يحب أن يُصدِّر كلامه بأفضل الأشياء. "ولأن الاضطرار إليها أكثر"، وهذا أمر طبيعي، فجميع المسلمين محتم عليهم أداء العبادات والقيام بالشعائر من إقامة الصلاة وأداء الصوم وغيرهما إلا المعذورين، ولكن لا يُحتم عليهم البيع والشراء. فليس من الضروري أن يبيع الإنسان أو يشتري في حياته؛ لذا كانت بدايته في مؤلفه بما كان المسلمون أحوج إلى فهمه وإدراكه في حياتهم، وهو عبادتهم وطقوسهم اليومية.
"ولقلة أفراد فاعله"؛ أي إن البيع والشراء مَن يقومون به أقل ممن يقوم بالعبادات. وهنا تتدخل الصياغات اللغوية بما يُحتِّم علينا التوقف عند هذه العبارة وتمحيصها. فيقول: "ولفظه في الأصل مصدر". اللفظ هنا يعود على "البيع"، وهو مصدرٌ مِن "بَاعَ" "يبيعُ"، مصدره بيْعٌ، ويكمل: "فلذا أفرده"؛ أي لأنه مصدر فقد أفرده، أي جعله مفردًا، فقال:[بيع] ولم يقل[بيوع]. وذلك لأن المصدر دالٌّ على الحدث، والحدث واحدٌ لا يتعدد في الأصل كما أشرنا؛ فلذا أفرده.
وربما يدفع البعض أنه في بعض الكتب تُجمع المصادر، فيقال: باب أو كتاب "البيوع". وهنا يرد المؤلف التراثي: "وإن كان تحته أنواع"؛ أي إنه من الممكن أن نقول: "بيوعًا" لا باعتبار أنه حدثٌ، بل باعتبار أن تحته أنواعًا؛ أي أنواع البيع. أما تناوله هنا فتناولٌ للحدث مجرداً؛ لذا كان اقترابًا للقضية من مدخل أنها حَدَثٌ.
ويكمل: "ثم صار اسمًا". وضمير الفعل "صار" عائد على "البيع". ويُكمل: "لما فيه مقابلة"؛ أي إن كلمة "بيع" أصبحت اسماً لكل حدثٍ فيه مقابلة، وكذلك كلمة شراء، فيقول:¯ سبحانه وتعالى )إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ(- الآية 111, سورة التوبة. وهكذا أي مقابلة سُميت بيعاً وشراءً.
ويُكمل: "ثم إن أريد به أحد شقي العقد"، هنا لابد لنا من إدراك قضية "الاعتبار" أو قضية "المدخل"؛ حيث أتى المؤلف بثلاثة مداخل هاهنا: الأول- إذا دخلنا إلى البيع باعتباره صفةً من صفات البائع. الثاني- إذا دخلنا إلى البيع باعتباره صفة من صفات المشتري. الثالث- البيع كعلاقة بين البائع والمشتري. ثلاثة مداخل يمكن لنا أن نختار من أيّــها.
فبدأ يقول: - اقتباس :
- "ثم إن أريد به أحد شقي العقد الذي يسمى من يأتي به بائعًا، فيعرف بأنه تمليك بعوض على وجهٍ مخصوص".
لاحظ الفارق بين "تمليك بعوض على وجهٍ مخصوص" التي في هذا المدخل الأول (من جهة البائع)، و بين"تملك بعوض كذلك" في المدخل الثاني (من جهة المشتري).
"تمليك بعوض" هنا تمثل المقابَلة؛ أي إن هناك سلعة وفي مقابلها توجد نقود، والبيع تمليك السلعة في مقابل النقود، فيقول البائع: لقد قمت بتمليك سلعتي لهذا الإنسان وأخذت منه عوضًا. "على وجهٍ مخصوص"؛ أي بطريقة مخصوصة؛ أي طريقة تتعلق بكيفية إيقاع البيع؛ كأن يقول البائع للمشتري: قمت ببيع هذه السلعة لك بعشرة قروش، فيردّ المشتري: وأنا اشتريتها منك بعشرة قروش. هذا الذي يشير إلى التوافق الضروري لقيام علاقة البيع.
ثم نجده يدخل إلى القضية من مدخل الشراء، فيقول: - اقتباس :
- "ويقابله الشراء الذي هو الشق الآخر الذي يسمَّى من يأتي به مشترياً و يعرف بأنه تملّك".
لاحظ كلمة "تملك" في الشراء، والفارق بينها وبين "تمليك" في البيع. "بعوض" كالمعنى السابق. وكلمة "كذلك" هنا تشير إلى العبارة السابقة: "على وجه المخصوص" في التعريف الأول.
ويُكمل: - اقتباس :
- "ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه"؛ أي يجوز أن نسمى المشتري بائعًا وأن نسمي البائع مشتريًا. "اعتبارا"ً؛
أي إنني -من مدخل ثالث- سأطلق اسم "بائع" أو "مشترٍ" على أي من الطرفين من أي اعتبار أعتبره أنا. فإذا ما قلتُ إن صاحب العوض : (أ) هو البائع باعتباره صاحب النقود، يكون الطرف الآخر صاحب العوض (ب) أي صاحب السلعة هو المشتري، فيكون صاحب المال هو الذي يقوم ببيع النقود مقابل المال باعتباره معاوضًا.
بعض الفقهاء يرفضون هذا المدخل، ويرون أن صاحب النقود هو المشتري تحديدًا وأن صاحب السلعة هو البائع. ولكن ماذا إذا لم تكن هناك نقود وتمت مبادلة السلعة مقابل سلعة، ككتاب مقابل كتاب مثلاً؛ أي مقايضة. هذا بيع وشراء باتفاقٍ، فمن هو البائع ومن هو المشتري؟ هنا لا يمكن تحديد أطراف العلاقة إلا باعتبار. فكلمة "اعتباراً" تعني: من حيث أردت أن أدخل إلى المسألة وأعتبر.
ويُكمل المؤلف - اقتباس :
- "ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه اعتباراً".
والتعبير..": هنا استعمل كلمتين متشابهتين اعتبارًا؛ أي إن لكل منهما وجهَ معنًى. ويكمل: "والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر إلى المعنى الشرعي". هنا اكتملت الجملة فظهر المراد منها، الأمر الذي يدلنا على ضرورة فهم النسبة التامة للجملة المفيدة في الصياغات اللغوية: أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟ فقوله: "المعنى الشرعي" لتمييز المعنى المقصود عن غيره من المعاني العرفية أو اللغوية أو غيرها، ويقصد أن معاني التمليك والتملُّك ستكون في هذا السياق بالنظر إلى النظرية الشرعية، التي ستتضح عند تفصيل النظريات الحاكمة.
ويُكمل: "وإن أريد به -أي بالبيع- المركَّب من الشقين معاً –أي البيع و الشراء- بمعنى العُلقة -أي الرابطة أو العلاقة- الحاصلة من الشقين التي ترد عليها الإجازة والفسخ". هذه العلاقة أو هذا الاتفاق الذي يقع بين طرفين، والذي يرد عليه إمكان أن: نجيزه ونُمضيه، أو أن نفسخه وننهيه، هذه الرابطة هي المحل الذي نريد أن نعرِّف البيع من خلاله. وهو بذلك "مقابلة شيء بشيء على وجه المعاوضة".
لو سكت المؤلف التراثي لانطبق التعريف على كل مقابلة حتى الزواج مثلاً، ففيه مقابلة، ولكن ليس فيه معاوضة. فإذا كان الرجل يدفع مهراً، ولكن ليس في معاوضة لشيء آخر، ولكن يأتي من قبيل الود والهدية المفروضة.
فيقول المؤلف: "فيدخل فيه.."، ثم في آخر السطر نفسه يقول: "وخرج بوجه المعاوضة"، مسألة ما "يدخل" في المفهوم وما "يخرج" من تعريفه، أمر لا يمكن أن نفهمه إلا إذا أدركنا التصور الكلي لقضايا التعريف في المنطق؛ حيث للمناطقة تصور كامل وقصة كبيرة في التعريف، لابد من فهمها حتى ندرك الكثير من النصوص التراثية.
فيقولون -في تعريف الإنسان مثلاً-: إنه "حيوان ناطق". "حيوان": كائن متحرك بالإرادة ؛ أي إنه كائن إذا ما أراد أن يحصل على شيء، فإنه يسعى ويتحرك إليه. إذن فعندما قلنا: إن الإنسان "حيوان"، فلقد أخرجنا الإنسان من دائرة الجماد الذي لا يتحرك، ومن دائرة النبات الذي إن تحرك فهو يتحرك بمنطق الاستجابة لمحرِّك خارج عنه كالهواء وليس بالإرادة. ولكن الحيوان البهيم يدخل في نوع "الحيوان" ككائن متحرك بالإرادة؛ لذا عندما قلنا: "ناطق"، فنحن قد أخرجنا البهائم من الدائرة؛ وذلك لأنها ليست ناطقة، والنطق ينطوي على التفكير الذي يؤثر على اللسان فيجعله ينطق.
فالكلام المرتب الذي ينطق به الإنسان هو آية من آيات الله عز وجل، خاصية من خصائصه التي خلقة الله عز وجل بها. ففي قوله سبحانه وتعالى : {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} - الآية 23, سورة الذاريات, جعلها آية من آيات الله سبحانه وتعالى فى الإنسان، وهي آية معجزة فريدة، إذا ما تأملت كيف تخرج الحروف، وكيف تتركب في شكل جملة وعبارة، وتُنقل إلى الذهن، ويضع الإنسان ذلك بإزاء معان تخطر له. هذا أمر معقد كبير وعجيب يتم في سرعة ويسر. لذا كان مجال قَسَمٍ وإرشادٍ لنا على منةٍ من مننه عز وجل. إذًا، فلقد أدخل هذا التعريف أفراد الإنسان العقلاء في مفهوم "الإنسان"، وأخرج منه البهائم و الحيوانات. لذا فكلمة "يدخل" وكلمة "يخرج" من الكلمات المنطقية التي يُراد بها تصور معين سنراه عند حديثنا عن التصورات الكلية.
و يكمل المؤلف "فيدخل فيه" -أي في التعريف- "ما لا يصلح تملُّكه كالاخـتصاص"، وهذا لا يمكن إدراك معناه إلا بعد مناقشة النظريات الحاكمة؛ فنظرية المال تقسِّم الأشياء إلى أعيان ومنافع، وتقسم الأعيان بدورها إلى ما يجوز أن يكون له قيمة أو "المقوَّم"، وما لا يجوز أن يكون له قيمة أو "غير المقوَّم". وقد يكون في الأخير ما له منفعة، فماذا نصنع إذا كان المِلك (أي المِلكية) لا يقوم إلا على المقوَّم؟ هنا رأى الفقهاء أنه لما كان الحال كذلك، فإن الأمر يتطلب أن يُطلق على "غير المقوَّم" الذي لا يقع عليه المِلك -أي لا يمكن أن يتملكه أحد- مفهومًا آخر يضم كافة أشكاله: ما به منفعة وما ليس به منفعة؛ وهذا الاسم هو الاختصاص. | |
|