7- وإن الحج كان في الأعصر الأولى كما هو مقرر في الإسلام، وكما ينبغي أن يكون برياسة الإمام الأعظم ومن له الإمْرَة الكبرى على المسلمين أو من ينوب عنه، وفيه يخطب الناس ويبين لهم حالهم ويتعرف شؤونهم ويتبادل الأمر شورى بينهم.
ولقد كان عمر بن الخطاب يتخذ من الحج سبيلا لإقامة العدل وبث روح الشورى وتعرُّف شأن رعاياه، فقد كان يسأل الحجيج من كل إقليم عن ولاتهم وعن مسالكهم في الرعية ويبث من يجيئه بالأخبار، وكثيرًا ما كان يدعو بعض ولاته إلى مناقشته الحساب فيما صنع بناء على الأخبار التي تصله في الحج، فالحج على هذا سبيل التعارف بين المسلمين، وسبيل التعاون الاقتصادي والاجتماعي والطريقة المثلى لمعرفة الحاكم حال المحكوم
8- والحج فيه فوق ما تقدم من المساواة المطلقة والتعارف والتعاون وإقامة العدل حياة روحانية تتجاوز مدتها الشهرين أحيانًا يتجرد فيها الإنسان من كل ما في نفسه من حب الغلب والعدوان حتى على الحيوان، فحرام عليه ذبح حيوان أو صيده، ليعلو عن كل مظاهر التناحر في الوجود وليكون للسلم والسلام، فيأمن الخائف ويطمئن العائذ ويقنع ابن الإنسان طوال هذه المدة، وهو الذي كان خليفة في الأرض فيأكل من غير ذبح لحيوان ولا صيد له، ويأمن اعتداءه حتى الحيوان في سِرْبه وحتى الأوابد في بيدائها، حتى إذا تحلل من إحرامه عاد إلى حياة المغالبة وقد تهذبت نفسه وصقلت روحه وألف حياة الأمن والاطمئنان فلا يَكْلَب في نزاع ولا يَحْرَب في غلاب.
9- هذا بعض ما في الحج من أسرار وهو شأن إخواننا الذين يقيمون اليوم في ضيافة الرحمن وليس لنا نحن الذين تخلفنا عن ركبهم إلا أن نلجأ إليهم وهم في تجردهم الروحي أن يدعوا الله ويضرعوا إليه أن يصلح حال المسلمين.
أيها الْمُخْبِتُون المُحْرِمُون، ادعوا الله قائلين: اللهم اجمع الوحدة، وأزل الفرقة، واجعل كلمتك العليا، قولوا: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم وفِّقْنا للقيام بحق دينك علينا، وارحمنا وأنت خير الراحمين.
===============================
لفضيلة الإمام محمد أبو زهرة.
مجلة لواء الإسلام ـ العدد الرابع، السنة الثالثة ـ غرة ذي الحجة 1368هـ - 23 سبتمبر 1949م.