في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) مباني الإسلام الخمس كل واحد منها يكفر الذنوب والخطايا ويهدمها، ولا إله إلا الله لا تبقي ذنبا ولا يسبقها عمل، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والحج الذي لا رفث فيه ولا فسوق يرجع صاحبه من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقد استنبط معنى هذا الحديث من القرآن طائفة من العلماء وتأولوا قول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] بأن من قضى نسكه ورجع منه فإن آثامه تسقط عنه إذا اتقى الله عز وجل في أداء نسكه، وسواء نفر في اليوم الأول من يومي النفر متعجلا أو متأخرا إلى اليوم الثاني.
وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الحج يهدم ما قبله)).
فالحج المبرور يكفر السيئات، ويوجب دخول الجنات، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن بر الحج، فقال: ((إطعام الطعام وطيب الكلام))، فالحج المبرور ما اجتمع فيه أعمال البر مع اجتناب أعمال الإثم، فما دعا الحاج لنفسه ولا دعا له غيره بأحسن من الدعاء بأن يكون حجه مبرورا، ولهذا يشرع للحاج إذا فرغ من أعمال حجه، وشرع في التحلل من إحرامه برمي جمرة العقبة يوم النحر أن يقول: اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر من قولهما، وروي عنهما مرفوعا، وكذلك يُدْعَى للقادم من الحج بأن يجعل الله حجه مبرورا، وفي الأثر: أن آدم عليه السلام لما حج البيت وقضى نسكه أتته الملائكة، فقالوا له: يا آدم بر حجك، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. وكذلك كان السلف يدعون لمن رجع من حجه.
لما حج خالد الحذاء ورجع قال له أبو قلابة: بر العمل، معناه جعل الله عملك مبرورا.