ما يؤهل للإكثار من التردد إلى تلك الآثار إلا محبوب مختار.
حج علي بن الموفق ستين حجة، قال: فلما كان بعد ذلك جلست في الحجر أفكر في حالي وكثرة تردادي إلى ذلك المكان، ولا أدري هل قُبِل مني حجي أم رُدَّ، ثم نمت فرأيت في منامي قائلا يقول لي: هل تدعو إلى بيتك إلا من تحب؟ قال: فاستيقظت، وقد سُرِّيَ عني.
ما كل من حج قُبِل ولا كل من صلى وُصِل.
قيل لابن عمر ما أكثرَ الحاج؟ قال: ما أقلهم، وقال: الركب كثير، والحاج قليل.
حج بعض المتقدمين فتوفي في الطريق في رجوعه فدفنه أصحابه، ونسوا الفأس في قبره فنبشوه ليأخذوا الفأس فإذا عنقه ويداه قد جمعت في حلقة الفأس، فردوا عليه التراب، ثم رجعوا إلى أهله فسألوهم عن حاله؟ فقالوا صحب رجلا فأخذ ماله فكان يحج منه:
إذا حججت بمال أصله سحت**فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل صالحة **ما كل من حج بيت الله مبرور
من حجه مبرور قليل، ولكن قد يوهب المسيء للمحسن، وقد روي: أن الله تعالى يقول عشية عرفة: "قد وهبت مسيئكم لمحسنكم" حج بعض المتقدمين فنام ليلة، فرأى ملكين نزلا من السماء، فقال أحدهما للآخر: فكم حج العام؟ قال: ستمائة ألف، فقال له: كم قُبِل منهم؟ قال: ستة، قال: فاستيقظ الرجل وهو قلق مما رأى، فرأى في الليلة الثانية كأنهما نزلا وأعادا القول، وقال أحدهما: إن الله وهب لكل واحد من الستةِ مائةَ ألف.
كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إن لم تقبلني فهبني لمن شئت من خلقك.
من رُدَّ عليه عمله ولم يُقْبَل منه فقد يُعَوَّض ما يعوض المصاب فيرحم بذلك.
قال بعض السلف في دعائه بعرفة: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني. وقال آخر منهم: اللهم ارحمني؛ فإن رحمتك قريب من المحسنين، فإن لم أكن محسنا فقد قلت: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] فإن لم أكن كذلك فأنا شيء، وقد قلت: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] فإن لم أكن شيئا فأنا مصاب برد عملي وتعبي ونصبي، فلا تحرمني ما وعدت المصاب من الرحمة. قال هلال بن يساف: بلغني أن المسلم إذا دعا الله فلم يستجب له كتب له حسنة، خرجه ابن أبي شيبة، يعني جزاءً للمصيبة رده.
ومن كان في سخطه محسنا ** فكيف يكون إذا ما رضي