ويحكى عن بعض العارفين، أنه قال : دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها . فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام . فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل والافتقار . فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه . ولا مزاحم فيه ولا معوق .. فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته. فإذا هو - سبحانه- قد أخذ بيدي وأدخلني عليه.(1)
يا غلام اقرن بين الدنيا والآخرة واجعلهما في موضع واحد وانفرد بمولانا عز وجل عريانا من حيث قلبك لا دنيا ولا آخرة، لا تقبل عليه إلا مجردًا مما سواه ولا تتقيد بالخلق عن الخالق، اقطع هذه الأسباب واخلع هذه الأرباب فاجعل الدنيا لنفسك والآخرة لقلبك
والمولى لسرك.
إذا دخلت على الله فادخل وقد عزلت علمك وعملك ولسانك ونسبك وحسبك مع نسيان مالك وأهلك، قف بين يديه عريان القلب عما سوى الحق عز وجل حتى يكسوه بقربه وفضله ومنه.
ُذلَّ لله عز وجل وانزل حوائجك به. اغلق أبواب الخلق وافتح الباب بينك وبينه واعترف بذنوبك واعتذر إليه من تقصيرك وتيقن أن لا ضار ولا نافع ولا معطي ولا مانع إلا هو، فحينئذ يزول غم عين قلبك ويحرك البصر والبصيرة.(2)
(يا غلام ) ما ههنا إلا الخالق عز وجل، فإن كنت مع الخالق فأنت عبده، وإن كنت مع الخلق فأنت عبدهم لا كلام لك حتى تقطع الفيافي والقفار من حيث قلبك وتفارق الكل من حيث سرك.
كل عمل تريد عنه عوضًا فهو لك وكل عمل تريده لله عز وجل فهو له، وإذا عملت لوجه الله تعالى كان جزاؤك قربك منه والنظر إليه ثم لا تطلب العوض على أعمالك في الجملة، اطلب المنعم لا تطلب النعمة . كن أبدًا مخفيًا بحالك لا تزل كذلك حتى تكمل ويصل
قلبك إلى ربك عز وجل.
واستوى عندك حمدهم وذمهم وإقبالهم وإدبارهم ت تصرف فيهم بإذن خالقهم . إنك إذا ثبت هناك بانت لك الخواطر فتعرف خاطر النفس وخاطر الهوى وخاطر القلب وخاطر إبليس وخاطر الملك يقال لك هذا خاطر ا لحق وهذا باطل تعلم كل واحد بعلامة تعرفها، إذا وصلت إلى هذا المقام أتاك خاطر من الحق عز وجل يؤدبك ويثبتك ويقيمك ويقعدك ويحركك ويسكنك ويأمرك وينهاك.
===================================================================
1-تهذيب مدارج السالكين(227-229).
2-الفتح الرباني(12-16).