الإقبال على الخلق هو عين الإدبار عن الحق عز وجل، لا فلاح لك حتى تخلع الأرباب وتقطع الأسباب وتترك رؤية الخلق في النفع والضر.
إنما لكل واحد منكم قلب واحد فكيف يحب به الدنيا والآخرة؟ وكيف يكون في الخلق والخالق؟ كل إناء ينضح بما فيه . أعمالك دلائل على اعتقادك ظاهرك دليل على باطنك ولهذا قال بعضهم الظاهر عنوان الباطن.
لو سجدت لله ألف عام على الجمر وأنت تقبل بقلبك على غيره لما نفعك ذلك، ماذا ينفعك إظهار الزهد في الأشياء مع إقبالك عليها بقلبك؟ أما تعلم أن الله عز وجل يعلم ما في صدور العالمين؟ أما تستحي أن تقول بلسانك توكلت على الله وفي قلبك غيره؟
اصبر وا عمل حتى ترى بقلبك وسرك وروحك باب القرب من ربك عز وجل . المؤمن لا يخاف غير الله عز وجل ولا يرجو غيره، قد أعطى القوة في قلبه وسره . كيف لا تكون قلوب المؤمنين قوية بالله عز وجل وقد أسرى بها إليه؟
لا تزال عند القلوب والقالب في الأرض قال تعالى (وإنهم عندنا لمن ا لمصطفين الأخيار ) [ص: 47]
يصطفون على أهاليهم وأهل زمانهم، ولهذا فارقوا الخلق وزهدوا في المألوفات.
يا غلام لابد من الحلاوة والمرارة والصلاح والفساد والكدر والصفاء، فإن أردت الصفاء الكلي ففارق بقلبك الخلق وواصله بالحق عز وجل. يصنعهم لنفسه كما صنع موسى عليه السلام قال تعالى (واصطنعتك لنفسي) [طه: 41]
كل من تجرد عما سوى الحق عز وجل ووقف بين يديه على أقدام قلبه وسره فقد قال بلسان الحال كما قال موسى عليه السلام:
(وعجلت إليك رب لترضى ) [طه: 84 ] عزلت دنياي وآخرتي وجميع الخلق . قطعت الأسباب، وخلعت الأرباب، وجئت إليك مستعجلا لترضى عني وتغفر لي وقوفي معهم من قبل.
يا غلام لا تغتر بطاعتك وتعجب بها، اسأل الحق سبحانه وتعالى قبولها واحذر وخف أن ينقلك إلى غيرها . من عرف الله عز وجل لا يقف مع شيء ولا يغتر بشيء لا يأمن حتى يخرج من الدنيا على سلامة دينه وحفظ ما بينه وبين الله عز وجل. (1)
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
1-الفتح الرباني ( 79-47,48, 60, 55, 62)