(يا قوم ) فروا إلى الله عز وجل اهربوا إليه من الخلق والدنيا ومما سواه في الجملة صيروا إليه بقلوبكم أما سمعتم قوله عز وجل:
(ألا إلى الله تصير الأمور) [الشورى:53]
(يا غلام ) لا تنظر إلى الخلق بعين البقاء بل انظر إليهم بعين الفناء، لا تنظر إليهم بعين الضر والنفع بل انظر إليهم بعين العجز والذل.
وإن جاءته الأسباب والعيال فيعان عليهم ويعطى القوة على مقاساتهم فقلبه في جميع الأحوال فارغ عما سوى ربه عز وجل لا يبرح في غيبته ولا يزول لا يطلب منه التغيير والتبديل لأنه يعلم أن الذي قد قضى لا يتغير والقسم قد فرغ منه لا يزيد ولا ينقص فلا يطلب زيادة ولا نقصانا لا يطلب تأخير قسمه ولا الإسراع في مجيئه لأنه قد تحقق أن له وقتًا مقدرًا مخصوصًا فهو وأمثاله هم العقَّل من الخلق، والطالبون للزيادة والنقصان والإسراع والتأخير هم المجانين .
من رضي عن الله عز وجل وافقه في جميع أحواله وفي غيره أحبه وعرفه إياه واستصحبه بقية عمره على جادة مراده يوفقه ثم يقربه ويقول له: (أنا ربك) عند تحيره وتقطعه. كما قال لموسى عليه الصلاة والسلام: (أنا ربك)
قال لموسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ظاهرًا ويقول لقلب هذا العارف باطنا يسمعه ذلك رحمة له ولطفًا به وكرامة لنبيه عليه الصلاة والسلام معجزات الأنبياء عليهم السلام ظاهرة وكرامة الأولياء باطنة هم الوارثون للأنبياء.
من غلب علمه هواه فذلك العلم النافع كيف لا يكون نافعًا وقد أغلق أبواب الخلق وفتح باب الحق عز وجل الذي هو الباب الأكبر.
إذا صح هذا الغلق والفتح لعبد ذهبت عنه الرحمة وجاءته الخلوة جاءت الخلع إلى قلبه والنثار عليه، جاءته المفاتيح تناثر عنه القشو ر وبقي اللب، انسد طريق الهوى وانغلب وانقهر وانفتحت للطريق إلى الحق عز وجل وظهرت الجادة عليه جادة مراده التي هي جادة من تقدم من الأنبياء والمرسلين والأولياء، ما تلك الجادة الصفاء بلا كدر، جادة التوحيد بلا شرك، جادة الاستسلام بلا منازعة، جادة الصدق بلا كذب، جادة الحق عز وجل بلا خلق، جادة المسبب بلا سبب.