نعود مرة أخرى إلى المعجزة .. لقد جاء كل نبي إلى قومه بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه .. قوم موسى نبغوا في السحر .. فجاء موسى عليه السلام بمعجزة السحر .. و تحدى قومه .. فكان أول من آمن به هم السحرة .. لماذا؟ لأنهم هم الذين يرهبون عيون الناس و يسحرونها .. فلما رأوا معجزة موسى كانوا أقدر الناس على فهمها .. و السجود لها نظرا لما رأوه من الفرق الهائل بين قدرة الله .. و قدرة البشر .. و لما أحسوه برهبة و هو يقابل ما نبغوا فيه من السحر بما أعطاه الله له ..
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِين ﴿46﴾ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿47﴾ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴿48﴾(سورة الشعراء)
هكذا كان أول من آمن هم أولئك الذين نبغوا في المعجزة .. و هم أولئك الذين أراد الله سبحانه و تعالى أن يتحداهم فيما نبغوا فيه ، فلما رأوا عظمة التحدي خروا ساجدين .. لماذا ؟ لأن لديهم جزء من العلم الأرضي في السحر .. إنما يخشى الله من عباده العلماء .. فلما رأوا المعجزة أحسوا بروعتها .. أحسوا بجلالها .. أحسوا بأنها من عند الله سبحانه و تعالى .. فنسوا فرعون و وعوده ، و نسوا الذهب و الفضة و جاه الدنيا الذي ينتظرهم .. بل نسوا أن فرعون سيسومهم سوء العذاب .. و أنه جبار في الأرض .. تلاشى كل هذا عندما رأوا المعجزة .. و خروا ساجدين لله .. و كانوا هم الذين أراد فرعون أن يتحدى بهم معجزة الله .. و دين الله .. فإذا بهم أول من يسجد لهذا الدين ..
تلك روعة المعجزة .. تستطيع أن تتبينها إذا عرفت أن السحرة كانوا موعودين بالجاه و السلطان و المال .. و كانوا هم أعوان فرعون الذين يروجون له .. و كان في أيديهم حكم الدنيا إذا غلبوا .. أو إذا اتهموا موسى بأي اتهام باطل يروج له فرعون و جنوده .. و لكنهم بهتوا و ذهلوا أمام معجزة فخروا ساجدين .. و تركوا كل هذا مضاف إليه عذاب فرعون عندما رأوا آية من آيات الله ..