"يعلمون .. و يعقلون "
إذا مضينا نقرأ في القرآن الكريم .. نجد الله سبحانه و تعالى قد استخدم لفظا معينا .. و في حالة مماثلة لم يأت بنفس اللفظ حتى أنك حين تسمع الآية تظن أنه سيأتي باللفظ الأول .. و لكنه لا يأتي به .. مثلا يقول الله سبحانه و تعالى:
" أو لو كان آباؤهم لا يعلمون "
و يقول الله سبحانه و تعالى:
" أو لو كان آباؤهم لا يعقلون "
لماذا الإختلاف في الكلمة .. مع أن العلم و العقل واحد .. أقول إن هناك فرقاً كبيراً يحتم في مرة استخدام لفظ يعلمون .. و في مرة استخدام لفظ يعقلون ..
نأتي إلى نص الآيتين الكريمتين في سورة البقرة يقول الله تعالى:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُون ﴿170﴾ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴿171﴾ (سورة البقرة)
و الآية الثانية في سورة المائدة ..
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴿104﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿105﴾ (سورة المائدة)
ولكن عندما يأتي المستشرقون يقولون إن اللفظين مترادفان .. فالعلم و العقل .. العقل و العلم شئ واحد .. و العاقل من علم أو من استطاع أن يعقل العلم ، و يقولون إن هذه مترادفات إلى آخر ما يقال في هذا الموضوع .. نقول لكم إنكم حينما تقولون هذا الكلام .. إنما لا تعرفون شيئا عن بلاغة هذا القرآن الكريم .. فالله سبحانه و تعالى لا يستخدم لفظين لآداء نفس المعنى و لكن كل لفظ له معناه .. كل لفظ يعبر بدقة عن المعنى المراد منه .. فالله سبحانه و تعالى عندما يقول يعقلون .. معناها إنهم لا يفهمون شيئا أي ليس لهم عقول تفكر .. لا يتدبرون في أمر هذا الكون .. إنهم لا يستخدمون عقولهم ..
و لو استخدموها و فكروا و تأملوا قليلا لوصلوا إلى أن الله سبحانه و تعالى هو الخالق البارئ .. و إن هذا الكون بدقته و بديعه لا يمكن إلا أن يكون من خلق الله سبحانه و تعالى .. هذه في كلمة يعقلون .. إذن هنا هو نفى عنهم التدبير و التعقل في أمور العبادة و في أمور هذا الكون ..
و لكن عندما يقول الله سبحانه و تعالى لا يعلمون فهو قد نفى عنهم التعقل و العلم معا .. بمعنى أنني قد أكون أنا باحثا في هذا الكون .. قد أكون متأملا فيه عاقلا لما يدور .. فافكر بعقلي .. و أصل إلى أشياء .. هذا هو الإنسان الذي يعقل .. أما قوله تعالى:
" لا يعلمون "
فهو يريد أن يقول لنا إنهم بجانب عدم تدبرهم في هذا الكون .. و إنهم لا يعقلون الآيات الموجوده فيه .. هم أيضا لا يعقلون ما علمه غيرهم من العلم .. فالذي لا يعقل لا يتدبر و لا يفكر في آيات الكون .. أما الذي لا يعلم فهو لا يفكر بعقله .. و لا يعلم ما عقله غيره .. إنه ليس لديه علم .. و لا علم له من نتاج عقل غيره .. فالعلم أوسع من التعقل .. ذلك أن العلم قد يكون علم غيري دونه أو كتيه و سجله و أكون أنا في هذه الحالة قد أخذت هذا العلم .. و قرأته .. فكأني علمت ما عقله غيري .. و هذا يحدث لنا كل يوم .. فنحن حين نقرأ كتابا جديدا نعقل ما علمه غيرنا .. و حين نذهب إلى الجامعة ندرس ما علمه الأساتذة و كبار المفكرين .. فأنا لم أعقل الجاذبية مثلا .. و لم أعقل قوانين الفضاء لأنني لم أشتغل بها لكي أصل إليها بعقلي .. و لكني علمتها عن طريق عالم في الفضاء .. أو في الجاذبية .. و وصل بعقله و فكره إليها ثم قرأت أنا ما علمه هو .. فأنا هنا علمت ما عقله غيري .. فالله سبحانه و تعالى حين يقول لا يعقلون في الآية الأولى .. أي إنهم لا يتدبرون في الكون مستخدمين عقولهم .. لأنهم يقولون ..
" بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا "
و من هنا فإن الله رد عليهم
" أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون "
و لذلك يصفهم الله سبحانه و تعالى:
" صم بكم عمي فهم لا يعقلون "
أي لا يسمعون و لا يرون و لا يتحدثون بآيات الله سبحانه و تعالى و هذا هو السبب في أنهم لا يعقلونها .. و لكن حين يقول الله سبحانه و تعالى: " لا يعقلون " .. تأتي ردا على كافرين .. قالوا :
" حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا "
هنا هم قد نطقوا .. قالوا: لا نريد شيئا .. و لا نريد علما .. يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا .. فرد الله سبحانه و تعالى:
" أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون "
أن أنهم لا يعلمون علما بعقلهم .. و يرفضون العلم الذي وصل إليه غيرهم .. و هكذا نرى الفرق بين كلمة لا يعقلون .. و كلمة لا يعلمون ..