و لكن العرب قبلوها بصراع ، فاتخذت الدعوة الإسلامية من أجل هدايتهم أحكم الوسائل.
نبهتهم أنه ليس من المنطق أن تكون الإلف ، و أن تكون العادة أو العزف – مقياساً للحق ، فليس من المنطق إذا قيل لهم – اتبعوا ما أنزل الله – أن يقولوا " بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا" لأنه من الجائز أن يكون آباؤهم " لا يعقلون شيئأً و لا يهتدون".
و ليس من المنطق أن يقولوا: ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) الزخرف/23.
و سخر القرآن من الذين حرموا على أنفسهم مزية الفهم و التبصر ، فقال في أسلوب لاذع : (مثل اللذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) الجمعة/5.
ثم أضاف الإسلام إلى ذلك تقدير المسئولية الفردية ، ليجتث بذلك كل محاولة من الفرد لإلقاء التبعة على الجماعة ، أو على البيئة ، أو على الآباء و الرؤساء : ( ألا تزر وازرة وزر آخرى ، و أن ليس للإنسان إلا ما سعى ) الزلزلة /7-8.
ثم صرح في وضوح واضح بالمسئولية ، فيما يتعلق بالآراء خاصة ، و رتب العقاب الشديد على من قلد غيره في ضلاله و أهوائه فقال تعالى:
( و قال الذين كفروا لم نؤمن بهذا القرآن و لا بالذي بين يديه و لو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول : يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا : لولا أنتم لكنا مؤمنين ، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا : أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ، و قال الذين استضعفوا للذين استكبروا ، بل مكر الليل و النهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ، و نجعل له أنداداً و أسروا الندامة لما رأوا العذاب ، و جعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) (1) .
و إذ كان الإسلام قد قرر المسئولية الفردية – أي أن كل إنسان مسئول عن عمله – فإنه مع ذلك لم يخل الفرد من المسئولية بالنسبة لغيره : فالرسول صلى الله عليه و سلم يمثل لجماعة الإنسانية بسفر على سفينة أخذ بعضهم في إفسادها : فإن أخذوا على يديه نجا و نجوا ، و إن تركوه هلك وهلكوا : عن النعمان بن بشير ، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:
" مثل القائم في حدود الله و الواقع فيها – كمثل قوم استهلوا على سفينة ، فصار بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا و لم نؤذ من فوقنا ! فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعاً ، و إن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا جميعاً ) البخاري و غيره.
________________________
(1) سورة سبأ الآيات: 31-33