أما ما في القرآن مما تخيله بعض الناس استدلالاً على وجود الله ، و اعتقد أن القرآن قصد بذكره الاستدلال على وجود الله ، فليس إلا بياناً لمظاهر قدرة الله و عنايته بالعالم و من ذلك مثلا:
( وفي الأرض قطع متجاورات و جنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقى بماء واحدٍ و نفضل بعضها على بعض في الأكل )(1)
و إن الله سبحانه و تعالى جعل:
(الأرض مهادا ، و الجبال أوتادا ، و خلقناكم أزواجا ، و جعلنا نومكم سباتاً ، و جعلنا الليل لباساً ، و جعلنا النهار معاشاً ، و بنينا فوقكم سبعاً شداداً ، و جعلنا سراجا وهاجا ، و أنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً ، لنخرج به حبا و نباتا ، و جنات ألفافا ) (2)
و (تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شئ قدير ، الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا و هو العزيز الغفور ، الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا و هو حسير ) (3)
و ما مثل هذا في تصوير قدرة الله كمثل:
(و يسألونك عن الجبال قل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا ، يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضى له قولا ، يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم و لا يحيطون به علما ، و عنت الوجوه للحي القيوم و قد خاب من حمل ظلماً )(4)
إن ذلك و كثيرا غيره إنما ذكر ليبين عظمة الله و جلاله و قدرته ، و يبين رحمته بعباده و عنايته بهم ..
و ما من شك في أنه يمكن أن يؤخذ من ذلك أدلة كثيرة على وجود الله .. و ما من شك في أن الأدلة التي تؤخذ من ذلك يمكن أن تصاغ في أسلوب منطقي في قياس يشتمل على المقدمات و النتائج ، و يكون متفق مع قواعد المنطق الأرسطي و مبادئه ، لكان ذلك لن يكون أبداً تصويراً لهدف من أهداف القرآن ، فالقرآن لا يضع أبداً وجود الله موضع شك حتى يحتاج إلى الاستدلال عليه.
و من القصص التي يروى على أنحاء شتى ، و بأساليب مختلفة تتفق في الجوهر و تختلف في الرسم – ما يحكى من أن بعض مشاهير العلماء ألف كتاباً ضخماً في إثبات وجود الله ، فأقام له أصدقائه حفلة تكريم من أجل عمله الضخم هذا ، و مر بهم بعض الصالحين ، فأخذوا يحدثونه عن عبقرية المؤلف ، فسأل:
و متى غاب الله حتى يكون في حاجة إلى إثبات ؟
فوجم الجميع ، و لم يستطع المؤلف الإجابة ، و تركهم الرجل الصالح وهو يردد:
( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) (5)
و قال رجل للثورى – الصوفي المعروف - : ما الدليل على وجود الله ؟
قال : الله ..
قال الرجل : فما العقل ؟ ..
قال : العقل عاجز ، و العاجز لا يدل إلا على عاجز مثله ..
كل ذلك يؤيد ما قاله الشاعر:
مـن رام بالعقـل مسترشـداً**سـرحه فـي حــيرة يلهـــو
و شـاب بالتلبيــس أســراره**يقـول مـن حيرته هـل هو ؟
و النتيجة التي نريد أن نصل إليها هي:
أن روح القرآن هي قيادة النفوس إلى التوحيد ..
( و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) (6)
( و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، قل إنما يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون) (7)
________________
(1) سورة الرعد آية :4.
(2) سورة النبأ الآيات : 6 – 16.
(3) سورة الملك الآيات : 1 – 4.
(4) سورة طه الآيات : 105 – 111.
(5) سورة الأنعام آية : 91.
(6) سورة الأنبياء آية : 25.
(7) سورة الأنبياء آيتا : 107 ، 108.