وعلى هذا النهج جرى في تفسيره ، فكان أشبه ما يكون بحديقة غناء لا ترى فيها إلا زرعاً ناضراً أو ورداً عاطراً ، ولا تجد فيه ما يؤذي النفس ويثر الشعور. ويمتاز هذا التفسير الجليل ، بالإضافة إلى التحري في النقل وحسن الاختيار والبعد عن الضعيف والموضوع – بما يأتي:
1- العناية بالمعاني اللغوية للمفردات وتوجيه الإعراب في سهولة و يسر دون تفريع أو تطويل.
2- اعتماده على القرآن نفسه ، ثم على السنة الصحيحة ، ثم على أقوال الصحابة و آراء السلف الصالح.
3- اهتمامه بالآيات التي تحتاج إلى بحث وإطالة النفس فيها ، وذلك أن في القرآن آيات بينة واضحة لا تحتاج إلى بحث ، إنها واضحة من ناحية المعنى ، وفي القرآن آيات واضحة ، ولكن بعض المفسرين قد حاول إثارة الجدل فيها أو أخطأ فهمها أو فسرها إسرائيليات أو أنحرفت بها الأهواء على أي وضع كانت ويشتد اهماماً مفسرنا بمثل هذه الآيات شارحاً ومبيناً محقاً للحق وكاشفاً لزيف الباطل ، وينقل في سبيل ذلك عن القدماء ما يؤيد فكرته ، ويتخذ من هذا التأييد كمصدر أول : القرآن ، فإنه يفسر بعضه بعضاَ ، ويتخذ كذلك الأحاديث الصحيحة الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كمصدر آخر ، ثم ينقل عن العلماء المحدثين ما يؤيد وجهة نظره ، وهي في الأغلب الأعم وجهة نظر سليمة.
4- اهتمامه بذكر وجوه القراءات مع الترجيح بينها.
يقول في تفسير قوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) آية 16 من سورة البقرة:
فأزلهما الشيطان: أي أذهبهما عن الجنة وأبعدهما يقال: نزل عن مرتبته وزل عنى ذاك: إذ هب عنك .. وزل من الشهر كذا .. وقال ابن جرير: فأزلهما بتشديد اللام بمعنى استزلهما .. من قولك زل الرجل في دينه إذ هفا فيه وأخطأ فأتى ما ليس له إتيان فيه .. وأزله غيره إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه أو دنياه .. وقرئ (فأزلهما) بالألف من التنمية فأخرجهما مما كانا فيه من الرغد والنعيم والكرامة.
ولقد تأثر الإمام القاسمي أيما تأثير بالإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، اهتم اهتماما واضحا بكل ما انفردا به آراء : إنه ينقل عن ابن تيمية رأيه في مجازات القرآن. وهو من الآراء التي اشتهر بها ابن تيمية وخالف فيها كثيرا من العلماء.
وأعجب بالإمام محمد عبده إيما إعجاب ، ونقل عنه رأيه في وجوه التفسير ومراتبه ، نقلا عن مقدمة تفسير الإمام محمد عبده المشهور .. نقله مؤثرا له مقراً به.
ونستطيع أن نقول بحق: لقد تأثر القاسمي بمنهج الإمام محمد عبده ونسق بينه و بين منهج ابن تيمية ، لكن إعجابه بالشيخ محمد عبده لم يمنعه من مخالفته في مسائل الملائكة وآدم و إبليس والسحر وغير ذلك: لم يقل برأي الإمام في هذه الأمور ، وسار على رأي الجمهور في أنها حقائق ، وليست تعبيرا بالمثال والإرشاد والتفهم.
ولعل هذا يكشف لنا جانباً هاماً من جوانب الإمام القاسمي.
لقد كان يعجب بقدر ، وكان يتحكم فيما يختار ، ولا ينساق وراء الآراء تبعا لشهرة قائلها وانتشارها بين الناس.