خرج سيدنا موسي عليه السلام بقومه من بني إسرائيل من مصر بعد أن أظهره الله علي فرعون وملئه فأغرقهم في البحر, وجاز بهم صحراء سيناء نحو الأرض المقدسة.
وقال لهم:'يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا علي أدباركم فتنقلبوا خاسرين',[المائدة:21]; إلا أنهم رفضوا جبنا وخوفا; فقضي الله عز وجل أن يتيهوا في الصحراء أربعين عاما, قال تعالي:' فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض',[المائدة: 26], وخلال هذه الأعوام الأربعين ظلوا تائهين في الصحراء حتي أخرجهم الله منها.
وجاء سيدنا داود عليه السلام ملكا علي القدس بعد أن استتب الحكم لبني إسرائيل في المدينة, وبعد سيدنا داود تولي سيدنا سليمان مقاليد الحكم, وقام ببناء المسجد الأقصي عام 950 قبل الميلاد كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو يرفعه: 'أن سليمان بن داود لما بني بيت المقدس سأل الله ثلاثا: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه, وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه, وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد الأقصي ألا يأتيه أحد لا يحركه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه',[سنن النسائي 112/1].
ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز فيدخل فيصلي فيه ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء; مبالغة منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها; لتصيبه دعوة سليمان عليه السلام.,[مجموع فتاوي ابن تيمية 27/258].
وبعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام انقسمت مملكة بني إسرائيل إلي مملكتين ودارت بينهما الحروب الكثيرة. وفي عام 599 ق.م غزا البابليون القدس ودخلها نبوخذ نصر وسبي جميع من فيها وأرسلهم إلي بابل فيما يسمي تاريخيا بـ السبي البابلي.
وعندما تولي قورش عرش فارس تزوج من يهودية; فتنفس اليهود الصعداء, وبطلب من زوجته أذن لمن شاء منهم بالعودة إلي القدس, وسمح لهم بتجديد الهيكل وبناء المدينة; إلا أنه لم يمكنهم من بناء سور لها, ولم يتمكنوا من بناء سور لها إلا في عهد دارا عام 445 ق. م.
وفي عام 332 ق. م احتل الفاتح المقدوني الإسكندر الأكبر القدس; فدخلها ناويا تدميرها وقتل من فيها; إلا أن اليهود هرعوا لاستقباله خارج المدينة يتقدمهم الشيوخ والكهنة طالبين العفو; فسكت عنهم وأقرهم علي عاداتهم وأعفاهم من الجزية. وبعد وفاته عاني سكان المدينة الشدائد علي يد قواده الذين اقتسموا مملكته بينهم, ففي عهد بطليموس دك حصون المدينة وبطش بسكانها وأرسل منهم مائة ألف أسري إلي مصر عام 320 ق.م.
وفي العهد البيزنطي تنفس النصاري الصعداء; لأن قسطنطين تولي عرش الأباطرة, ولم يسمح لهم ببناء الكنائس فقط والانتشار في مملكته, بل تنصر هو نفسه, ولم يمض وقت طويل حتي زارت أمه هيلانة القدس وقامت ببناء كنيسة القيامة (335 م) وخربت البناء الذي كان علي الصخرة, وجعلتها مطرحا لقمامات البلد عنادا لليهود, وفرض قسطنطين علي اليهود أن يتنصروا, فتنصر فريق منهم ومن لم يتنصر قتل أو غادر البلاد.,[صبح الأعشي 4/101].
ولما اعتلي جوليان الجاحد عرش بيزنطة (360م) ألغي اضطهاد اليهود, وأمر بإعادة بناء الهيكل, إلا أن الأمر لم يتم, وبعد وفاته عام 451م انقسمت الكنيسة إلي شرقية وغربية وكانت كنيسة القدس تتبع الكنيسة الغربية, وعندما تولي جوستانيان الحكم بني كنيسة العذراء في موضع المسجد الأقصي الحالي.,[تاريخ القدس ص38].
وفي عهد هرقل (610 - 614م) دب الضعف في الدولة البيزنطية فلم يستطع الوقوف في وجه كسري الذي أرسل جيوشه فاحتل القدس (614م) وذبح من سكانها تسعين ألفا, وساعدهم اليهود في محاربة النصاري وتخريب كنائسهم, وأقبلوا نحو الفرس من طبرية وجبل الجليل وقرية الناصرة ومدينة صور وبلاد القدس; فنالوا من النصاري كل منال, وأعظموا النكاية فيهم, وخربوا لهم كنيستين بالقدس, وحرقوا أماكنهم, وأخذوا قطعة من عود الصليب, وأسروا بطريرك القدس وكثيرا من أصحابه, إلا أن هرقل جمع شتات جيشه في عام 627 م, فغلب الفرس بحيلة دبرها علي كسري حتي رحل عنهم, ثم سار من قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر ويجدد ما خربه الفرس منها, ودخل هرقل القدس عام 629 م حاملا علي كتفه خشبة الصليب التي استردها من الفرس وانتقم من اليهود علي فعلتهم, فراح يقتل منهم المئات.,[المواعظ والاعتبار 3/271 - 273].
هذه الوقائع بين الروم والفرس, لخصها القرآن الكريم علي وجه الإجمال, فقال تعالي:'الـم* غلبت الروم* في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون' (الروم:1-3).
---------------------------------------------------------------------------
بقلم: د. علي جمعة