Mohammed Ali عضو الماسي
| موضوع: القدس في الحضارة الإسلامية(4) مرحلة صدر الإسلام الأحد يونيو 03, 2012 2:40 pm | |
| تجلت أهمية بيت المقدس في الإسلام عندما أسري بالرسول صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي, فكان ذلك إيذانا بانتقال الأرض المقدسة والمسجد الأقصي إلي ظل الدين الخاتم والرسالة الأخيرة,
وظهر اهتمامه بها مع أولي مراحل الدعوة; يوم أن كان المسلمون قلة قليلة مستضعفة في مكة, لترسخ مكانتها في القلوب رسوخ عقيدة التوحيد, ولتؤكد مكانة القدس في الإسلام كواحد من أهم المعالم الإسلامية.
ففي هذه الرحلة المباركة تجلت وحدة الرسالات السماوية وأصل التوحيد, فكل الرسل جاءوا بدعوة الإسلام, قال تعالي:'قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون',[البقرة:136], وقد التقي رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم في هذه الرحلة بإخوانه من الأنبياء, وصلوا صلاة واحدة يؤمهم فيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, للدلالة علي أن آخر الرسل موصول بأولهم.
ومما عزز مكانة القدس في الإسلام أن الصلاة التي هي عماد الدين فرضت خلال رحلة المعراج منها إلي السماء وكانت القدس هي القبلة الأولي حتي جاء الأمر بتحويلها إلي البيت الحرام بعد ذلك. لقد أصبحت هذه الرحلة رمزا أبعد وأوسع من حدود الزمان والمكان لتأكيد أن الإسلام هو دين الله الخاتم وهو الدين الذي أرسل بأصله الأنبياء والمرسلون لهداية العالمين.
فكما أرسل الله سبحانه الرسل بالعهد القديم والعهد الجديد, قد ختمهم برسول الله محمد صلي الله عليه وسلم الذي أنزل معه الرسالة الخاتمة:'وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم علي ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين',[آل عمران:81], وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: 'إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله, إلا موضع لبنة من زاوية, فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له, ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة, وأنا خاتم النبيين',[صحيح البخاري3/1300].
وقد كانت عودة المسلمين للقدس في عهد عمر بن الخطاب مثالا لعظمة هذا الدين الخاتم; فبعد أن فرغ أبو عبيدة بن الجراح من دمشق توجه إلي القدس, حيث طلب أهلها الأمان والصلح, علي أن يكون الخليفة عمر هو الذي يتولي بنفسه تسلم بيت المقدس وعقد الصلح, فكتب أبو عبيدة إلي عمر بذلك فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم سار إلي القدس, فأنفذ صلح أهلها, وتسلم بيت المقدس بنفسه من صفرونيوس بطريرك القدس عام15 هـ.
وصدرت العهدة العمرية ونص فيها علي ألا يسكن إيلياء أحد من اليهود, ودخل سيدنا عمر رضي الله عنه القدس عن طريق جبل المكبر ثم أتي موضع المسجد الأقصي فصلي فيه تحية المسجد, ويروي أنه صلي في محراب داود, وصلي بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد وجعل المسجد قبلي بيت المقدس.,[البداية والنهاية7/55].
وبعد أن وصل الخليفة عمر وخادمه إلي مشارف القدس علا التكبير والتهليل من المسلمين وصعد صفرونيوس وبطارقته إلي أسوار القدس ونظروا إلي الرجلين القادمين فأخبرهم المسلمون بأنهما ليسا سوي عمر وخادمه. فسألهم صفرونيوس أيهما عمر؟ فأخبره المسلمون أن عمر هو هذا الذي يمسك بزمام الناقة ويخوض في الماء والوحل, وخادمه هو الذي يركب الناقة, فذهل صفرونيوس والبطارقة, وهذا مذكور في كتبهم. ونصه: - اقتباس :
- ابتهجي جدا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم هو ذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب علي حمار وعلي جحش ابن أتان وأقطع المركبة من إفرايم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب ويتكلم بالسلام للأمم وسلطانه من البحر إلي البحر ومن النهر إلي أقاصي الأرض.,[سفر زكريا, الإصحاح التاسع, رقم9-11].
وخرجوا إلي عمر بن الخطاب يسألونه العهد والميثاق والذمة, فلما نظر إليهم عمر علي تلك الحالة تواضع لله وخر ساجدا علي قتب بعيره ثم نزل إليهم وقال: ارجعوا إلي بلادكم ولكم الذمة والعهد; فرجع القوم إلي بلدهم ولم يغلقوا الأبواب ورجع عمر إلي عسكره فبات فيه ليلة, فلما كان الغد قام فدخل إليها وكان دخوله يوم الاثنين وأقام بها إلي يوم الجمعة وخط بها محرابا من جهة الشرق وهو موضع مسجده فتقدم وصلي هو وأصحابه صلاة الجمعة.,فتوح الشام للواقدي1/242]. وهكذا كانت القدس في صدر الإسلام تنعم وتستظل بوارف الحضارة الإسلامية. -------------------------------------------------------------------------------- بقلم: د. علي جمعة | |
|