Mohammed Ali عضو الماسي
| | و ظيفة شهر شعبان-المجلس الأول في صيامه | |
خرّج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم الأيام يَسْرُد حتى نقول لا يفطر، ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه، وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان. فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما؟ قال: أي يومين؟ قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس. قال: ذانك يومان تُعْرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم. قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)).
قد تضمن هذا الحديث ذكر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جميع السنة، وصيامه من أيام الأسبوع، وصيامه من شهور السنة، فأما صيامه من السنة فكان يَسْرُد الصومَ أحيانًا والفطرَ أحيانًا، فيصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم.
وقد روى ذلك أيضا عائشة وابن عباس وأنس وغيرهم، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم))، وفيهما عن ابن عباس قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم إذا صام حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر إذا فطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم))، وفيهما عن أنس أنه سئل عن صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته، ولا مفطرا إلا رأيته، ولا من الليل قائما إلا رأيته، ولا نائما إلا رأيته))، ولمسلم عنه قال: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى يقال: قد صام قد صام، ويفطر حتى يقال: قد أفطر قد أفطر)).
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينكر على من يسرد صوم الدهر ولا يفطر منه ويخبر عن نفسه: أنه لا يفعل ذلك.
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (([color=green]أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))، وفيهما عن أنس: أن نفرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فخطب وقال: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) وخرّجه النسائي وزاد فيه: وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر.
وفي مسند الإمام أحمد عن رجل من الصحابة قال: ((ذكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مولاة لبني عبد المطلب أنها قامت الليل وتصوم النهار. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لكني أنا أنام وأصلي وأصوم وأفطر، فمن اقتدى بي فهو مني، ومن رغب عن سنتي فليس مني، إن لكل عمل شرّة وفترة، فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل، ومن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى))،
وفي المسند وسنن أبي داود عن عائشة -رضي الله عنها- أن عثمان بن مظعون أراد التبتل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أترغب عن سنتي؟ قال: لا والله ولكن سنتك أريد. قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر وصل ونم)).
وقد قال عكرمة وغيره: إن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب والمقداد وسالما مولى أبي حذيفة في جماعة تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل، وصيام النهار، فنزلت فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] .
وفي صحيح البخاري أن سلمان زار أبا الدرداء، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد آخى بينهما فرأى أم الدرداء متبذّلة فقال لها: ما شأنك متبذّلة؟ فقالت: إن أخاك أبا الدرداء لا حاجة له في الدنيا، فلما جاء أبو الدرداء قرّب له طعاما، قال له: كل، قال إني صائم. فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نم، ثم ذهب ليقوم، فقال له: نم. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فقاما فصليا، فقال سلمان: إن لنفسك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له. فقال: ((صدق سلمان)). وفي رواية في غير الصحيح قال: ((ثكلت سلمان أمه، لقد أشبع من العلم))، وهكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص، لما كان يصوم الدهر فنهاه، وأمره أن يصوم صوم داود، يصوم يوما ويفطر يوما، وقال له: ((لا أفضل من ذلك)). وقد ورد النهي عن صيام الدهر والتشديد فيه، وهذا كله يدل على أن أفضل الصيام ألا يستدام، بل يعاقب بينه وبين الفطر. وهذا هو الصحيح من قول العلماء. وهو مذهب أحمد وغيره، وقيل لعمر: إن فلانا يصوم الدهر، فجعل يقرع رأسه بقناة معه، ويقول: "كل يا دهر كل يا دهر". خرجه عبد الرزاق. | |
|