Mohammed Ali عضو الماسي
| | و ظيفة شهر شعبان-المجلس الثاني في ذكر نصف شعبان | |
خرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان)) وصححه الترمذي وغيره. واختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به: فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر، وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم.
وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثا أنكر منه، ورده بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين. وقال الأثرم: الأحاديث كلها تخالفه. يشير إلى أحاديث صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كله ووصله برمضان، ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين، فصار الحديث حينئذ شاذا مخالفا للأحاديث الصحيحة.
وقال الطحاوي: هو منسوخ. وحكى الإجماع على ترك العمل به. وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به، وقد أخذ به آخرون منهم الشافعي وأصحابه، ونهوا عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة، ووافقهم بعض المتأخرين من أصحابنا، ثم اختلفوا في علة النهي، فمنهم من قال: خشية أن يزاد في صيام رمضان ما ليس منه. وهذا بعيد جدا فيما بعد النصف، وإنما يحتمل هذا في التقدم بيوم أو يومين، ومنهم من قال: النهي للتقوي على صيام رمضان شفقة أن يضعفه ذلك عن صيام رمضان، وروي ذلك عن وكيع.
ويرد هذا صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كله أو أكثره ووصله برمضان. هذا كله في الصيام بعد نصف شعبان.
فأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر. وقد ورد الأمر بصيامه من شعبان بخصوصه، ففي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان ليلة نصف شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر)).
وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة، وقد اختلف فيها فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها، وخرجه في صحيحه، ومن أمْثَلِها حديث عائشة قالت: ((فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- فخرجت فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء فقال: [color=green]أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ فقلت: يا رسول الله! ظننت أنك أتيت بعض نسائك. فقال:إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب)) خرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه. وذكر الترمذي عن البخاري أنه ضعفه، وخرج ابن ماجه من حديث أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن أو قاتل نفس)) وخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ مرفوعا.
ويروى من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعا: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فلا يسأل أحد شيئا إلا أعطيه إلا زانية بفرجها أو مشركا)). وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف، ويروى عن نوف البكالي أن عليا رضي الله عنه خرج ليلة النصف من شعبان فأكثر الخروج فيها ينظر إلى السماء فقال: إن داود عليه السلام خرج ذات ليلة في مثل هذه الساعة، فنظر إلى السماء فقال: إن هذه الساعة ما دعا الله أحد إلا أجابه، ولا استغفره أحد في هذه الليلة إلا غفر له ما لم يكن عشارا أو ساحرا أو شاعرا أو كاهنا أو عريفا أو شرطيا أو جابيا أو صاحب كوبة أو عرطبة. قال نوف: الكوبة الطبل والعرطبة: الطنبور، اللهم رب داود اغفر لمن دعاك في هذه الليلة، ولمن استغفرك فيها.
وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك. فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عبَّاد أهل البصرة وغيرهم. وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة. ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة وهو قول أصحاب مالك وغيرهم. وقالوا: ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين: أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد. كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك. ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك. وقال في قيامها في المساجد جماعةً: ليس ذلك ببدعة. نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء. ولا يكره أن يصلي الرجل فيها بخاصة نفسه. وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إلى البصرة: عليك بأربع ليال من السنة، فإن الله يفرغ فيهن الرحمة إفراغا، أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة الأضحى. وفي صحته عنه نظر.
وقال الشافعي: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان، قال: واستُحِب كل ما حكيت في هذه الليالي. ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان. ويخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلة العيد، فإنه في رواية لم يستحب قيامها جماعةً. لأنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. واستحبها في رواية لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك وهو من التابعين. فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام.
وروي عن كعب قال: إن الله تعالى يبعث ليلة النصف من شعبان جبريل عليه السلام إلى الجنة فيأمرها أن تتزين ويقول: إن الله تعالى قد أعتق في ليلتك هذه عدد نجوم السماء، وعدد أيام الدنيا ولياليها، وعدد ورق الشجر، وزنة الجبال، وعدد الرمال.
وروى سعيد بن منصور: حدثنا أبو معشر عن أبي حازم ومحمد بن قيس عن عطاء بن يسار قال: "ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من ليلة النصف من شعبان، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم". فيا من أعتق فيها من النار هنيئا لك هذه المنحة الجسيمة. ويا أيها المردود فيها جبر الله مصيبتك، فإنها مصيبة عظيمة.
بكيت على نفسي وحق لي البكا وما أنا من تضييع عمري في شك لئن قلت إني في صنيعي محسن فإني في قولي لذلك ذو إفك ليالي شعبان وليلة نصفه بأية حال قد تنزل لي صكي وحقي لعمري أن أديم تضرعي لعل إله الخلق يسمح بالفك فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب، وستر العيوب، وتفريج الكروب، وأن يقدم على ذلك التوبة، فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب.
فقم ليلة النصف الشريف مصليا فأشرف هذا الشهر ليلة نصفه فكم من فتى قد بات في النصف غافلا آمنا وقد نسخت فيه صحيفة حتفه فبادر بفعل الخير قبل انقضائه وحاذر هجوم الموت فيه بصرفه وصم يومها لله واحسن رجاءه لتظفر عند الكرب منه بلطفه
ويتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة، وقبول الدعاء في تلك الليلة وقد روي: أنها: الشرك، وقتل النفس، والزنا. وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله عز وجل كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته أنه ((سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)) فأنزل الله تعالى تصديق ذلك: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية [الفرقان: 68].
ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه. وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا)) وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا، وعن الأوزاعي أنه قال: "المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة"، وكذا قال ابن ثوبان: "المشاحن هو التارك لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الطاعن على أمته، السافك دماءهم. وهذه الشحناء -أعني شحناء البدعة- توجب الطعن على جماعة المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم، كبدع الخوارج والروافض ونحوهم".
فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم، أو تبديعهم وتضليلهم، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه. وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
وفي المسند عن أنس ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه ثلاثة أيام: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فيطلع رجل واحد. فاستضافه عبد الله بن عمرو، فنام عنده ثلاثا لينظر عمله، فلم ير له في بيته كبير عمل. فأخبره بالحال فقال له: هو ما ترى، إلا أني أبيت وليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين. فقال عبد الله: بهذا بلغ ما بلغ))
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)) قال بعض السلف: "أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة، وبهذه الخصال بلغ من بلغ، لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة".
إخواني! اجتنبوا الذنوب التي تحرم العبد مغفرة مولاه الغفار في مواسم الرحمة والتوبة والاستغفار، أما الشرك: فإنه {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].
وأما القتل فلو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض على قتل رجل مسلم بغير حق لأكبهم الله جميعا في النار، وأما الزنا فحذار حذار من التعرض لسخط الجبار، الخلق كلهم عبيد الله وإماؤه، والله تعالى يغار، لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، فمن أجل ذلك حرم الفواحش، وأمر بغض الأبصار، وأما الشحناء فيا من أضمر لأخيه السوء، وقصد له الإضرار: {لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42] يكفيك حرمان المغفرة في أوقات مغفرة الأوزار.
خاب عبد بارز المو لى بأسباب المعاصي ويحه مما جناه لم يخف يوم القصاص يوم فيه ترعد الأقـ دام من شيب النواصي لي ذنوب في ازدياد وحياة في انتقاص فمتى أعمل ما أعـ لم لي فيه خلاصي
وقد روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: {[color=blue]فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] أنها ليلة النصف من شعبان، والجمهور على أنها ليلة القدر، وهو الصحيح. وقال عطاء بن يسار: "إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة، فيقال: اقبض من في هذه الصحيفة، فإن العبد ليغرس الغراس، وينكح الأزواج، ويبني البنيان، وإن اسمه قد نسخ في الموتى ما ينتظر به ملك الموت إلا أن يؤمر به، فيقبضه".
يا مغرورا بطول الأمل، يا مسرورا بسوء العمل، كن من الموت على وجل، فما تدري متى يهجم الأجل. كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
قال بعض السلف: "كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومن مؤمل غدا لا يدركه، إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره".
أؤمل أن أخلد والمنايا تدور علي من كل النواحي وما أدري وإن أمسيت يوما لعلي لا أعيش إلى الصباح وكم ممن راح في طلب الدنيا أو غدا أصبح من سكان القبور غدا
كأنك بالمضي إلى سبيلك وقد جد المجهز في رحيلك وجيء بغاسل فاستعجلوه بقولهم له افرغ من غسيلك ولم تحمل سوى كفن وقطن إليهم من كثيرك أو قليلك وقد مد الرجال إليك نعشا فأنت عليه ممدود بطولك وصلوا ثم إنهم تداعوا لحملك من بكورك أو أصيلك فلما أسلموك نزلت قبرا ومن لك بالسلامة في نزولك أعانك يوم تدخله رحيم رؤوف بالعباد على دخولك فسوف تجاور الموتى طويلا فذرني من قصيرك أو طويلك أخيَّ لقد نصحتك فاستمع لي وبالله استعنت على قبولك ألست ترى المنايا كل حين تصيبك في أخيك وفي خليلك | |
|