Mohammed Ali عضو الماسي
| | و ظيفة شهر شعبان-المجلس الثالث: في صيام آخر شعبان-2 | |
فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال: ==================== أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان، فهذا منهي عنه وقد فعله بعض الصحابة وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه، وفرق ابن عمر بين يوم الغيم والصحو في يوم الثلاثين من شعبان، وتبعه الإمام أحمد.
والثاني: أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك، فجوزه الجمهور ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر يوم مطلقا، وهم طائفة من السلف. وحكي كراهته أيضا عن أبي حنيفة والشافعي وفيه نظر.
والثالث: أن يصام بنية التطوُّع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر، منهم الحسن وإن وافق صوما كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرق الشافعي والأوزاعى وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا، وكذلك يفرق بين من تقدم صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضا إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدئ الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان.
وفي الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره.
ولكراهة التقدم ثلاثة معان: ================= أحدها: أنه على وجه الاحتياط لرمضان، فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم. وخرج الطبراني وغيره عن عائشة رضي الله عنه قالت: "إن ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] قالت عائشة: إنما الصوم صوم الناس، والفطر فطر الناس"، ومع هذا فكان من السلف من يتقدم للاحتياط. والحديث حجة عليه، ولهذا نهي عن صيام يوم الشك، قال عمار: "من صامه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-". ويوم الشك هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أو غيره. فكان من المتقدمين من يصومه احتياطا، ورخص فيه بعض الحنفية للعلماء في أنفسهم خاصة دون العامة، لئلا يعتقدوا وجوبه بناء على أصلهم في أن صوم رمضان يجزئ بنية الصيام المطلق والنفل، ويوم الشك هو الذي تحدث برؤيته من لم يقبل قوله.
فأما يوم الغيم فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى عن صيامه، وهو قول الأكثرين. ومنهم من صامه احتياطا وهو قول ابن عمر، وكان الإمام أحمد يتابعه على ذلك. وعنه في صيامه ثلاث روايات مشهورات ثالثها لا يصام إلا مع الإمام وجماعة المسلمين لئلا يقع الافتيات عليهم والانفراد عنهم، وقال إسحاق: لا يصام يوم الغيم، ولكن يتلوَّم بالأكل فيه إلى ضحوة النهار خشية أن يشهد برؤيته، بخلاف حال الصحو فإنه يأكل فيه من غدوة.
والمعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حرم صيام يوم العيد، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام، وخصوصا سنة الفجر قبلها فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة. ولهذا يشرع صلاتها في البيت والاضطجاع بعدها، ولما ((رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر قال له: آلصبح أربعا)). وفي المسند: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((افصلوا بينها وبين المكتوبة ولا تجعلوها كصلاة الظهرا)). وفي سنن أبي داود: ((أن رجلا صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما سلم قام يشفع، فوثب عليه عمر فأخذ بمنكبيه فهزه ثم قال: اجلس فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن لصلاتهم فصل فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- بصره فقال: أصاب الله بك يا ابن الخطابا)) ومن علل بهذا فمنهم من كره وصل صوم شعبان برمضان مطلقا، وروي عن ابن عمر قال: "لو صمت الدهر كله لأفطرت الذي بينهما"، وروي فيه حديث مرفوع لا يصح، والجمهور على جواز صيام ما وافق عادة لأن الزيادة إنما تخشى إذا لم يعرف سبب الصيام.
والمعنى الثالث: أنه أمر بذلك للتقوِّي على صيام رمضان، فإن مواصلة الصيام قد تضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوِّي على صيام رمضان، وفي هذا التعليل نظر. فإنه لا يكره التقدم بأكثر من ذلك، ولا لمن صام الشهر كله وهو أبلغ في معنى الضعف، لكن الفطر بنية التقوِّي لصيام رمضان حسن لمن أضعفه مواصلة الصيام كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص يسرد الفطر أحيانا، ثم يسرد الصوم ليتقوَّى بفطره على صومه، ومنه قول بعض الصحابة: "إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي". وفي الحديث المرفوع: ((الطاعم الشاكر كالصائم الصابر)) خرجه الترمذي وغيره. ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، ولهذا يقولون: هي أيام توديع للأكل، وتسمى تنحيسا واشتقاقه من الأيام النحسات، ومن قال: هو تنهيس بالهاء فهو خطأ منه ذكره ابن درستويه النحوي، وذكر أن أصل ذلك متلقًى من النصارى فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم، وهذا كله خطأ وجهل ممن ظنه، وربما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات وهذا هو الخسران المبين. وأنشد لبعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولت** فواصل شرب ليلك بالنهار ولا تشرب بأقداح صغار** فإن الوقت ضاق على الصغار وقال آخر: جاء شعبان منذرا بالصيام ** فاسقياني راحا بماء الغمام
ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه، وله نصيب من قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } الآية [الأعراف: 179]. وربما تكره كثير منهم بصيام رمضان، حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبُّه، وكان للرشيد ابن سفيه فقال مرة:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ** ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر فلو كان يعديني الأنام بقدرة **على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
فأخذه داء الصرع، فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة، ومات قبل أن يدركه رمضان آخر. وهؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام. فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام، وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان، فيطول عليه ويشقُّ على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو يعد الأيام والليالي ليعود إلى المعصية، وهؤلاء مصرُّون على ما فعلوا وهم يعلمون، فهم هلكى. ومنهم من لا يصبر على المعاصي فهو يواقعها في رمضان، وحكاية محمد بن هارون البلخي مشهورة قد رويت من وجوه. وهو أنه كان مصرا على شرب الخمر فجاء في آخر يوم من شعبان وهو سكران فعاتبته أمه وهي تسجر تنورا فحملها فألقاها في التنور فاحترقت. وكان بعد ذلك قد تاب وتعبَّد، فرؤي له في النوم أن الله قد غفر للحاج كلهم سواه، فمن أراد الله به خيرا حبَّب إليه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان فصار من الراشدين، ومن أراد به شرا خلى بينه وبين نفسه فاتبعه الشيطان، فحبَّب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين.
الحذر الحذر من المعاصي! فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم، وكم خربت من ديار، وكم أخلت ديارا من أهلها، فما بقي منهم ديار،كم أخذت من العصاة بالثار، كم محت لهم من آثار.
يا صاحب الذنب لا تأمن عواقبه **عواقب الذنب تخشى وهي تنتظر فكل نفس ستجزى بالذي كسبت** كسبت وليس للخلق من ديانهم وزر أين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان، ليلهم قيام ونهارهم صيام. باع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم، فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟ لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردوني عليهم.
وباع الحسن بن صالح جارية له، فلما انتصف الليل قامت فنادتهم: يا أهل الدار الصلاة الصلاة. قالوا: طلع الفجر؟ قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟ ثم جاءت إلى الحسن فقالت: بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني.
قال بعض السلف: صم الدنيا واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر صيام المتقين، يصومون فيه عن الشهوات المحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم. وقد صمت عن لذات دهري كلها ** كلها ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجَّل ما حرم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته، وشاهد ذلك قوله تعالى: {[color=blue]أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} الآية [الأحقاف: 20].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة)) و (([color=green]من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)).
أنت في دار شتات** فتأهب لشتاتك واجعل الدنيا كيوم **صمته عن شهواتك وليكن فطرك عند اللـ** ـه في يوم وفاتك في حديث مرفوع خرجه ابن أبي الدنيا: ((لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها)) وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما خرجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه يقول: ((قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)). قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان.
كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران! كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان! من أين يشبه هذا الزمان زمان!. وفي حديث آخر: ((أتاكم رمضان سيد الشهور، فمرحبا به وأهلا)). جاء شهر الصيام بالبركات ** فأكرم به من زائر هو آت
وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل شهر رجب يقول: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)) خرجه الطبراني وغيره من حديث أنس. وقال معلى بن الفضل: "كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم". وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا".
بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرؤي في المنام سابقا لهما فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه؟! فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض)) خرجه الإمام أحمد وغيره. من رحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود فيه لمعاده فهو ملوم.
أتى رمضان مزرعة العباد** لتطهير القلوب من الفساد فأد حقوقه قولا وفعلا **وزادك فاتخذه إلى المعاد فمن زرع الحبوب وما سقاها** تأوه نادما يوم الحصاد يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة! يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة! من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟ من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
أناس أعرضوا عنا** بلا جرم ولا معنى أساؤوا ظنهم فينا **فهلا أحسنوا الظنا فإن عادوا لنا عدنا** وإن خانوا فما خنا فإن كانوا قد استغنوا فإنا عنهم أغنا كم ينادى حي على الفلاح وأنت خاسر! كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر!.
إذا رمضان أتى مقبلا** فأقبل فبالخير يستقبل لعلك تخطئه قابلا** وتأتي بعذر فلا يقبل كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر! كم من مستقبل يوما لا يستكمله! ومؤمل غدا لا يدركه! إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره. خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها فقال فيها: "إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدًى، وإن لكم معادا ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيرثها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله، فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب، غنيا عما خلف، فقيرا إلى ما أسلف. فاتقوا الله عباد الله! قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه"، ثم رفع طرف ردائه وبكى حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب** حتى عصى ربه في شهر شعبان لقد أظلك شهر الصوم بعدهما** فلا تصيره أيضا شهر عصيان واتل القُران وسبح فيه مجتهدا** فإنه شهر تسبيح وقرآن واحمل على جسد ترجو النجاة له** فسوف تضرم أجساد بنيران كم كنت تعرف ممن صام في سلف** سلف من بين أهل وجيران وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهم** حيا فما أقرب القاصي من الداني ومعجب بثياب العيد يقطعها** فأصبحت في غد أثواب أكفان حتى متى يعمر الإنسان مسكنه** مصير مسكنه قبر لإنسان | |
|