Mohammed Ali عضو الماسي
| | و ظيفة شهر شعبان-المجلس الثالث: في صيام آخر شعبان-1 | |
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ((قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال: لا. قال: فإذا أفطرت فصم يومين)) وفي رواية للبخاري أظنه يعني رمضان. وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري: ((هل صمت من سرر شعبان شيئا)) وفي رواية: ((فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه)) وفي رواية: ((يوما أو يومين)) شك شعبة وروي: ((من سرار هذا الشهر)) وقد اختلف في تفسير السرار. والمشهور أنه آخر الشهر.
يقال: سِرار الشهر، وسَراره بكسر السين وفتحها. ذكره ابن السكيت وغيره. وقيل: إن الفتح أفصح، قاله الفراء. وسمي آخر الشهر سرارا: لاستسرار القمر فيه. وممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد وغيره من الأئمة. وكذلك بوَّب عليه البخاري صيام آخر الشهر، وأشكل هذا على كثير من العلماء. فإن في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه)).
فقال كثير من العلماء كأبي عبيد ومن تابعه كالخطابي وأكثر شراح الحديث: "إن هذا الرجل الذي سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم أن له عادة بصيامه أو كان قد نذره. فلذلك أمره بقضائه". وقالت طائفة: "حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك وآخر شعبان مطلقا، سواء وافق عادة أو لم يوافق. وإنما ينهى عنه إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا". وهذا مذهب مالك وذكر أنه القول الذي أدرك عليه أهل العلم حتى قال محمد بن مسلمة من أصحابه: "يكره الأمر بفطره لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر، كما وجب بعده".
وحكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار، وذكر محمد بن ناصر الحافظ أن هذا هو مذهب أحمد أيضا، وغلط في نقله هذا عن أحمد. ولكن يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقوله: ((إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) وقد ذكر الشافعي في كتاب مختلف الحديث احتمالا في معنى قوله: ((إلا من كان يصوم صوما فليصمه)) وفي رواية: ((إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم)) أن المراد بموافقة العادة صيامه على عادة الناس في التطوع بالصيام دون صيامه بنية الرمضانية للاحتياط.
وقالت طائفة: سر الشهر: أوله. وخرج أبو داود في باب تقدم رمضان من حديث معاوية أنه قال: إني متقدم الشهر فمن شاء فليتقدم، فسئل عن ذلك فقال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((صوموا الشهر وسره)) ثم حكى أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: أن سر الشهر أوله. قال أبو داود: "وقال بعضهم: سره وسطه". وفرّق الأزهري بين سرار الشهر وسره فقال: "سراره وسرره آخره، وسره وسطه، وهي أيام البيض، وسر كل شيء جوفه".
وفي رواية لمسلم في حديث عمران بن حصين المذكور: ((هل صمت من سرة هذا الشهر؟)) وفسر ذلك: بأيام البيض. قلت: لا يصح أن يفسر سرر الشهر وسراره بأوله، لأن أول الشهر يشتهر فيه الهلال، ويرى من أول الليل، ولذلك سمي الشهر شهرا لاشتهاره وظهوره، فتسمية ليالي الاشتهار ليالي السرار قلب للغة والعرف. وقد أنكر العلماء ما حكاه أبو داود عن الأوزاعي منهم الخطابي وروى بإسناده عن الوليد عن الأوزاعي قال: "سر الشهر: آخره" وقال الهروي: "المعروف أن سر الشهر آخره"، وفسر الخطابي حديث معاوية: ((صوموا الشهر وسره)) بأن المراد بالشهر الهلال، فيكون المعنى صوموا أول الشهر وآخره. فلذلك أمر معاوية بصيام آخر الشهر. قلت: لما روى معاوية: ((صوموا الشهر وسره)) وصام آخر الشهر علم أنه فسر السر بالآخر.
والأظهر أن المراد بالشهر شهر رمضان كله، والمراد بسره آخر شعبان كما في رواية البخاري في حديث عمران، أظنه يعني رمضان وأضاف السرر إلى رمضان، وإن لم يكن منه كما سمي رمضان شهر عيد وإن كان العيد ليس منه، لكنه يعقبه. فدل حديث عمران وحديث معاوية على استحباب صيام آخر شعبان، وإنما أمر بقضائه في أول شوال لأن كلا من الوقتين صيام يلي شهر رمضان، فهو ملتحق برمضان في الفضل، فمن فاته ما قبله صامه فيما بعده، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان وندب إلى صيام شوال.
وإنما يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إلا من له عادة أو من كان يصوم صوما. وأكثر العلماء على أنه نهى عن التقدم إلا من كانت له عادة بالتطوع فيه وهو ظاهر الحديث. ولم يذكر أكثر العلماء في تفسيره بذلك اختلافا وهو الذي اختاره الشافعي في تفسيره، ولم يرجح ذلك الاحتمال المتقدم.
وعلى هذا فيرجح حديث أبي هريرة على حديث عمران، فإن حديث أبي هريرة فيه نهي عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة، فيعمل به.
وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين، فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم به جمعا بين الحديثين. وأحسن ما حمل عليه: أن هذا الرجل الذي سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد علم منه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان قد أفطر فيه بعضَه، فسأله عن صيام آخره، فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر، لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان، وكلاهما حريم لرمضان.
وفيه دليل على استحباب قضاء ما فات من التطوع بالصيام، وأن يكون في أيام مشابهة للأيام التي فات فيها الصيام في الفضل، وفيه دليل على أنه يجوز لمن صام شعبان أو أكثره أن يصله برمضان من غير فصل بينهما | |
|