وتأمل أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله، وخطابهم وسؤالهم . كيف تجدها كلها مشحونة بالأدب قائمة به.
وفي بعض الآثار "حملة العرش أربعة : اثنان يقولان : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك . لك الحمد على حلمك بعد علمك . واثنان يقولان : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك . لك الحمد على عفوك بعد قدرتك" ولهذا يقترن كل من هاتين الصفتين بالأخرى، كقوله تعالى (والله عليم حليم ) [النساء: ١٢ ] وقوله تعالى (إن الله كان عفوًا قديرًا). [النساء: ١٤٩]
وقال بعضهم : الزم الأدب ظاهرًا وباطنً ا. فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهرً ا. وما أساء أحد الأدب باطنًا إلا عوقب باطنًا.
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله : من تهاون بالأدب عوقب بحرما ن السنن . ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض. ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.
وقيل : الأدب في العمل علامة قبول العمل.
وحقيقة "الأدب" استعمال الخلق الجميل . ولهذا كان الأدب : استخراج ما في الطبيعة من الكمال من القوة إلى الفعل.
قال الله تعالى : (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) [الشمس:7-10]
فعبر عن خلق النفس بالتسوية والدلالة على الاعتدال والتمام. ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى . وإن ذلك نالها منه امتحانًا واختبارًا. ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها . ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياءه وأولياءه . وهي التقوى . ثم حكم بالشقاء على من دساها . فأخفاها وحقرها . وصغرها وقمعها بالفجور . والله سبحانه وتعالى أعلم.